الناس لها من خلاياها ومساكنها ، ولو لا التسخير وإلهام الله ما كانت تأوي إلى ما يبنى لها.
قوله تعالى : (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ ؛) أي من ألوان الثمر كلّه ، (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً ؛) أي طرق ربك لطلب الرّعي ، وقوله تعالى (دللا) يجوز أن يكون من نعت السّبل ؛ أي لا يتوعّر عليها مكان سلكته ، وهي ترعى الأماكن البعيدة ذات العاص (١) ، قد ذلّل الله لها مسالكها أي سهّلها. وقال ابن عباس : (دللا نعت النّحل ؛ أي مطيعة بالتّسخير وإخراج العسل من بطونها).
قوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ ؛) يعني العسل يلقيه النحل أبيض وأصفر وأحمر ، يقال : إنه يخرج من شبابها الأبيض ، ومن كهولها الأصفر ، ومن شيوخها الأحمر. قوله تعالى : (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ ؛) أي في ذلك الشراب شفاء للأوجاع التي شفاؤها فيه ، كذا قال السديّ (٢).
وليس إذا كان في الناس من يضره العسل لمعنى في نفسه ما يوجب أن يخرج العسل من كونه شفاء للناس ، فإنّ الله جعل الماء حياة لكلّ شيء ، وربّما يكون الماء سببا للهلاك ، لكن الاعتبار للأعمّ ، وقال قتادة : (فيه شفاء للنّاس من الأدواء) (٣) ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : [كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحبّ الحلواء والعسل](٤) ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٦٩).
قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ؛) أي خلقكم في بطون أمّهاتكم طورا بعد طور حتى أخرجكم وربّاكم إلى أن يقبض أرواحكم عند آجالكم ، (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ؛) حتى يعود في كبره وهرمه في نقصان قوّته ونقصان عقله إلى مثل حال الطّفولة.
__________________
(١) هكذا رسمها الناسخ في الأصل المخطوط.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير : الأثر (١٢٥٧٤).
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٦٤٢١).
(٤) أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب الأطعمة : باب الحلوى والعسل : الحديث (٥٤٣١). ومسلم في الصحيح : كتاب الطلاق : باب وجوب الكفارة : الحديث (٢١ / ١٤٧٤) وفيه قصة وروده.