قال قتادة : (هم قوم من المنافقين ، كانوا يقولون : ما محمّد وأصحابه إلّا أكلة رأس ، ولو كانوا لحما لالتهمهم أبو سفيان وحزبه ، دعوا هذا الرّجل فإنّه هالك ، فخلّوهم وتعالوا إلينا) (١).
وقوله تعالى : (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) أي ويعلم القائلين لإخوانهم تعالوا إلينا ودعوا محمّدا فلا تشهدوا معه الحرب ، فإنّا تخاف عليكم الهلاك. وقوله : (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً) (١٨) ؛ أي لا يحضرون القتال في سبيل الله إلّا قليلا ؛ أي لا يقاتلون إلّا رياء وسمعة من غير احتساب ، ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيرا.
قوله : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ؛) أي بخلاء عليكم بأنفسهم وأموالهم ، لا ينفقون شيئا منها في سبيل الله ونصرة المؤمنين. ثم أخبر عن جبنهم فقال تعالى : (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) ، من الخوف والفزع كما تدور أعين الذي يحضره الموت فيغشى عليه ، ويذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف ، كذلك هؤلاء تشخص أبصارهم وتحار أعينهم لما يلحقهم من الخوف ، (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ ؛) أي بسطوا ألسنتهم وأرسلوها ، طاغين عليكم. قال الفرّاء : (معناه : آذوكم بالكلام وعضّوكم بألسنة سليطة ذربة) (٢) يقال : خطيب مسلاق إذا كان بليغا في خطابه (٣).
وقوله تعالى : (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ؛) أي بخلاء بالغنيمة ، يخاصمون فيها ويشاحّون المؤمنين عليها عند القسمة ، فيقولون : أعطونا فلستم أحقّ منّا! وقوله تعالى : (أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا ؛) أي هم وإن أظهروا الإيمان ونافقوا فليسوا بمؤمنين ، (فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ ؛) أي أبطل جهادهم وثواب أعمالهم ؛ لأنه لم يكن في إيمان ، (وَكانَ ذلِكَ) الإحباط ، (عَلَى اللهِ يَسِيراً) (١٩) ؛ قال
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢١٦٤٧). ومعنى (ما هم إلا أكلة رأس) أي قليل ، يشبعهم رأس واحد. وهو جمع آكل.
(٢) قاله الفراء في معاني القرآن : ج ٢ ص ٣٣٩.
(٣) ينظر : إعراب القرآن لابن النحاس : ج ٣ ص ٢١١.