مقاتل : (معنى الآية : فإذا ذهب الخوف وجاء الأمن والغنيمة ، سلقوكم بألسنة حداد ؛ أي بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة ، وسيقولون : أعطونا فلستم أحقّ بها منّا! فأمّا عند البأس والقتال فأجبن قوم وأخذلهم ، وأمّا عند الغنيمة فأشحّ قوم) (١).
قوله تعالى : (يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا) أي يظنّ المنافقون من جبنهم وخبثهم أنّ الأحزاب لم يذهبوا إلى مكّة وقد ذهبوا ، (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ ؛) في المرّة الثانية ؛ أي يرجعون إلى القتال ، (يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ ؛) داخلون في البادية مع الأعراب ، (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ ؛) أي يتمنّون لو كانوا في بادية بالبعد منكم ، يسألون عن أخباركم يقولون : ما فعل محمّد وأصحابه؟! فيعرفون حالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة. والمعنى بسؤالهم : أنه إذا كان الظّفر لكم شاركوكم ، وإن كان للمشركين شاركوهم ، كلّ هذا من الخوف والجبن. قرأ يعقوب (يسّاءلون) بالتشديد والمدّ ، بمعنى يتساءلون ؛ أي يسأل بعضهم بعضا عن أخباركم ، (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) (٢٠) ؛ لو كان هؤلاء المنافقون فيكم ما قاتلوا إلّا رميا بالحجارة من غير احتساب.
قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ؛) أي لقد كان لكم في رسول الله قدوة حسنة في الصّبر على القتال والثّبات عليه واحتمال الشّدائد في ذات الله ، (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ ؛) يرجو ثواب الله ، (وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) ، وثواب الدنيا والآخرة ، (وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) (٢١) ، وذلك : أنّ كل من ذاد أو ذكر الله في لسانه ازدادت رغبته في الاقتداء بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم.
ومعنى الآية : لقد كان لكم في رسول الله اقتداء لو اقتديتم به ، والصبر معه في مواطن القتال كما فعل هو يوم أحد إذ كسرت رباعيّته وشجّ حاجبه وقتل عمّه ، فواساكم مع ذلك بنفسه ، فهلّا فعلتم مثل ما فعل هو. وقوله تعالى : (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ) يدلّ من قوله (لَكُمْ) وهو تخصيص بعد التعميم للمؤمنين.
__________________
(١) ينظر : تفسير مقاتل بن حيان : ج ٣ ص ٤١ ، بلفظ قريب من هذا.