قوله تعالى : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ ؛) وذلك أنّ الله تعالى كان قد وعدهم في سورة البقرة (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ ...) إلى قوله (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ)(١) وقوله تعالى (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)(٢). وقوله تعالى : (وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) (٢٢) ؛ أي ما زادهم ما رأوه إلّا إيمانا وتصديقا بوعد الله وتسليما لآخره.
قوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ؛) أي من جملة المؤمنين رجال وافوا ما عاهدوا الله عليه بالثّبات على الدّين والعمل بموجبه من الصّبر على القتال وغير ذلك ، (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ ؛) أي من وفّى بنذره ، ومنهم من أقام على ذلك العهد حتى قتل شهيدا في سبيل الله. قيل : إنّ المراد به حمزة ابن عبد المطّلب وأصحابه الذين قتلوا يوم أحد.
والنّحب في اللّغة : النّذر ، وقيل : النّحب هو النّفس ، ومنه النّحيب : وهو التّنفّس الشديد والنّشج في البكاء (٣). والمعنى على هذا القول : (منهم من قضى نحبه) (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ؛) الموت على ذلك العهد. وقيل : معناه : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) أي مات أو قتل في سبيل الله فأدرك ما تمنّى ، فذلك قضاء النّحب. وقيل : فرغ من عمله ، ورجع إلى الله. وقال الحسن : (قضى أجله على الوفاء والصّدق) (٤) ، قال ابن قتيبة : ((قَضى نَحْبَهُ) : قتل).
وأصل النّحب : النّذر ، كان قوم نذروا أنّهم إن لقوا العدوّ قاتلوا حتى يقتلوا أو يفتح الله تعالى فقتلوا. يقال : فلان قضى نحبه ، إذا قتل. وقال محمّد بن اسحق : (فمنهم من قضى نحبه ، من استشهد يوم بدر وأحد ، ومنهم من ينتظر ما وعد الله من نصر أو شهادة على ما مضى عليه أصحابه) (٥).
__________________
(١) الآية / ٢١٤.
(٢) الفتح / ٢٨.
(٣) النّشج : صوت معه يردّد الصبي بكاء في صدره ، فيحزن ببكائه من يسمعه. ينظر : الغريبين في القرآن والحديث : ج ٦ ص ١٨٣٦.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢١٦٧١).
(٥) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢١٦٦٧) ؛ قال : (حدثني يزيد بن رومان) وذكره. وذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ١٠٣٤.