قال : فإن أبيتم هذه عليّ ، فهلمّ فلنقتل أبناءنا ونساءنا ، ثمّ نخرج إلى محمّد رجالا مصلّتين بالسّيوف ، ولم يكن وراءنا ثقل يهمّنا حتّى يحكم الله بيننا وبينهم. قالوا : نقتل هؤلاء المساكين! فلا خير في العيش بعدهم.
قال : فإن أبيتم هذه ، فاعلموا أنّ هذه ليلة السّبت ، وإنّه عسى أن يكون محمّد وأصحابه قد أمنوا فيها ، فانزلوا لعلّنا نصيب من محمّد وأصحابه غرّة. قالوا : نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا ، وقد علمت أنّ الّذين أحدثوا فيه الأحداث مسخوا ، ولم يخف عليك من هم.
قال : ثمّ إنّهم بعثوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن ابعث إلينا أبا لبابة أخا بني عمرو بن عوف ، وكانوا حلفاء الأوس ، نستشيره في أمرنا ، فأرسله النّبيّ صلىاللهعليهوسلم إليهم. فسألوه إن ننزل على حكم محمّد؟ قال : نعم ، وأشار بيده إلى حلقه : أنّه الذبح. قال أبو لبابة : فعلمت أنّي قد خنت الله ورسوله ، ثمّ انطلق أبو لبابة على وجهه ، ولم يأت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتّى ارتبط في المسجد إلى عمود من أعمدته ، وقال : لا أبرح حتّى يتوب الله عليّ ممّا صنعت ، وعاهد الله تعالى أن لا يطأ أرض بني قريظة أبدا ، وقال : لا يراني الله في بلد خنت الله ورسوله فيه. فلمّا علم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّه قد مضى على وجهه ولم يأته قال : [أما إنّه لو جاءني لاستغفرت له ، فأمّا إذا فعل ما فعل ، فما أنا بالّذي أطلقه حتّى يتوب الله عليه. ثمّ إنّ الله تعالى أنزل توبته ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [تبت على أبي لبابة] فثار النّاس إلى أبي لبابة ليطلقوه ، فقال : والله لا حتّى يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو الّذي يطلقني بيده. فجاء النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فأطلقه.
قال : فلمّا أصبح بنو قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فتواثبت الأوس وقالوا : يا رسول الله ؛ إنّهم موالينا ـ أي حلفاؤنا ـ دون الخزرج ، وقد فعلت في موالي الخزرج ما قد علمت ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل بني قريظة حاصر بني قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج ، فنزلوا على حكمه ، فسألهم إيّاه عبد الله بن أبي سلول فوهبهم له. فلمّا كلّمه الأوس ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [يا معشر الأوس ؛ أما ترضون أن أحكّم فيهم رجلا منكم؟] قالوا : بلى ، قال : [فذاك] إلى سعد بن معاذ ، وكان سعد بن معاذ قد جعله رسول الله صلىاللهعليهوسلم في خيمة امرأة من أسلم يقال لها رفيدة ، تداوي الجرحى وتخدم المرضى.