فلمّا حكّمه رسول الله صلىاللهعليهوسلم في بني قريظة ، أتاه قوم فاحتملوه على حمار ، وقد وطّأوا له وسادة من أدم ، وكان رجلا جسيما. ثمّ أقبلوا به إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهم يقولون : يا أبا عمرو! أحسن في مواليك ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنّما ولّاك ذلك لتحسن فيهم. فلمّا أكثروا عليه ؛ قال : لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم. فعرفوا أنّ بني قريظة مقتولون.
فلمّا انتهى سعد إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : [قوموا إلى سيّدكم ، فأنزلوه] فقاموا إليه ، فقال : يا أبا عمرو ؛ إنّ رسول الله قد ولّاك مواليك لتحكم بينهم ، فقال سعد : عليكم عهد الله وميثاقه أنّ الحكم فيهم ما حكمت؟ قالوا : نعم. قال : أحكم فيهم أن يقتل الرّجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنّساء. فقال صلىاللهعليهوسلم : [لقد حكمت فيهم يا سعد بحكم الله من فوق سبعة أرقعة]. ثمّ استنزلوا ، فحبسهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم في دار «ابنة الحارث» (١) امرأة من بني النّجّار ، ثمّ بعث إليهم من يخرجهم إليه إرسالا ، وأمر بضرب أعناقهم.
وكان فيهم يومئذ عدوّ الله حييّ بن أخطب وكعب بن أسد رأس القوم في سبعمائة. وقيل : من ثمانمائة إلى تسعمائة ، فقالوا لكعب وهو يذهب بهم إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أرسالا : يا كعب ما ترى ما يصنع بنا؟ قال : ما لكم لا تعقلون! ألا ترون من ذهب منكم لا يرجع ، هو والله القتل ، فلم يزل ذلك دأبهم حتّى فرغ منهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثمّ أتي بحييّ بن أخطب عدوّ الله وعليه حلّة له فقّاحيّة (٢) ويداه مغلولتان إلى عنقه بحبل ، ثمّ أجلس فضرب عنقه (٣).
قالت عائشة رضي الله عنها : (كان عليّ والزّبير يضربان أعناق بني قريظة ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم جالس هناك) ، قالت عائشة : ولم يقتل من نساء بني قريظة إلّا امرأة واحدة ، كانت والله عندي تتحدّث معي وتضحك ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يقتل رجالها ،
__________________
(١) ما بين «» سقطت من المخطوط.
(٢) أي لونها كلون الورد حين يتفتح.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (٢١٦٩٠ ـ ٢١٦٩١).