قال الكلبيّ : (ظلمه حيث عصى ربّه وأخرج من الجنّة ، وجهله حيث تحمّلها). وقال مقاتل : (ظلوما لنفسه ، جهولا بعاقبة ما حمّل) (١). وقال مجاهد : (لمّا خلق الله السّموات والأرض والجبال ، عرضت الأمانة عليها فلم تقبلها ، فلمّا خلق الله آدم عرضها عليه فقال : قد تحمّلتها يا رب. قال مجاهد : فما كان بين أن تحمّلها وبين أن أخرج من الجنّة إلّا قدر ما بين العصر والظّهر) (٢).
وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : (إنّ الله قال لآدم : إنّي عرضت الأمانة على السّموات والأرض فلم يطقنها ، فهل أنت حاملها بما فيها؟ قال : يا رب وما فيها؟ قال : إن حفظتها أجرت ، وإن ضيّعتها عوقبت ، قال : قد تحمّلتها. فما بقي في الجنّة إلّا كقدر ما بين الظّهر والعصر حتّى خرج منها) (٣).
وقال زيد بن أسلم : (الأمانة هي الصّوم والغسل من الجنابة) ، وقال بعضهم : (هي أمانات النّاس والوفاء بالعهود ، فحقّ على كلّ مؤمن أن لا يغشّ مسلما في شيء لا قليل ولا كثير).
وقال السديّ : (هي ائتمان آدم ابنه قابيل على أهله وولده ، وذلك أنّ آدم عليهالسلام لمّا أراد أن يحجّ إلى مكّة ، قال : يا سماء احفظي أولادي بالأمانة ، فأبت. وقال للأرض كذلك ، فأبت. وقال للجبال كذلك ، فأبت. ثمّ قال لابنه قابيل : أتحفظهم بالأمانة؟ قال : نعم ، تذهب وترجع فتجد أهلك كما يسرّك. فانطلق آدم ورجع وقد قتل قابيل هابيل ، فذلك قوله تعالى : (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) يعني قابيل حين حمل أمانة أبيه ثمّ لم يحفظها) (٤).
قوله تعالى : (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) ، أي ليعذبهم الله بما خانوا الأمانة وكذبوا الرّسل ، ونقض الميثاق
__________________
(١) قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٥٧.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير الكبير : ج ١٠ ص ٣١٦٠ : الرقم (١٧٨١٥).
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢١٨٩٥).
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢١٩٠٥) مطولا ، والأثر (٢١٩٠٦) مختصرا.