وقوله تعالى : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ؛) هذا من قول الكفّار بعضهم لبعض ؛ قالوا : افترى محمّد على الله كذبا حين زعم أنّا نبعث بعد الموت! (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ ؛) أي جنون ، يقولون : زعم كذبا أم به جنون.
فردّ الله عليهم مقالتهم بقوله : (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) (٨) ؛ أي ليس الأمر على ما قالوا من افتراء وجنون ، كأنه قال : لا هذا ولا ذاك ، ولكنّ الذين لا يؤمنون بالبعث في الآخرة ، والخطأ البعيد في الدّنيا.
قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ؛) معناه : إنّ سماءنا محيطة بهم والأرض حاملة لهم ، (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ؛) هذه ، (الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ) تلك ، (كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) فما يحذرون هذا فيرتدعون عن التكذيب بآياتنا.
والمعنى : أنّ الإنسان حيث ما نظر رأى السماء فوقه ، والأرض قدّامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله ، فكأنه تعالى قال : إنّ أرضي وسمائي محيطة بهم ، وأنا القادر عليهم ، إن شئت خسفت بهم ، وإن شئت أسقط عليهم قطعة من السماء.
قرأ حمزة والكسائي وخلف : (إن يشأ) و (يخسف) و (يسقط) في ثلاثتها بالياء لذكر الله تعالى قبله ، وقوله تعالى (أَفْتَرى) ألف استفهام دخلت على ألف الوصل فلذلك سقطت.
وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) (٩) ؛ أي إنّ فيما ذكر من منيعه وقدرته وفيما ترون من السّماء والأرض لعلامة تدلّ على قدرة الله تعالى على البعث ، وعلى من يشاء من الخسف بهم ، لكلّ عبد أناب إلى الله ورجع إلى طاعته وتأمّل ما خلق. قال الحسن : (المنيب : الرّاجع إلى الله تعالى بقلبه وقوله وفعله ، فإذا نوى نوى لله ، وإذا قال قال لله ، وإذا عمل عمل لله) (١).
__________________
(١) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٤ ص ٢٦٤ ؛ قال القرطبي : (أي تائب رجّاع إلى الله بقلبه ، وخص المنيب بالذكر ؛ لأنه المنتفع بالفكرة في حجج الله وآياته).