تَفْرَحُونَ) (٣٦) ؛ أي إذا أهدى بعضكم إلى بعض فرحوا بذلك ، وأما أنا فلا أفرح لأنّكم أهل مفاخرة ومكاثرة في الدّنيا.
وفي الخبر : أنّ سليمان عليهالسلام لمّا علم بالهدايا قبل أن تصل إليه أمر أن يضرب لبنات من الذهب أحسن وأجود مما كان مع رسولها ، وأمر أن تلقى تلك اللّبنات بين قوائم الدّواب حتى تروث وتبول عليها ، فلمّا رأى ذلك الرسول استخفّ الهديّة التي كانت معه ، وكانت بلقيس قد قالت لرسولها : إذا دخلت عليه ، فإذا نظر إليك نظر غضب ، فاعلم أنّه ملك فلا يهولنّك منظره ، فأنا أعزّ منه ، وإن نظر إليك بوجه طلق فإنه نبيّ مرسل ، فتفهّم قوله وردّ الجواب. فانطلق الرسول بالهدايا ومعه الهدهد مسرعين إلى سليمان.
فلمّا وصل الرسول إلى سليمان وجده قاعدا في مجلسه على سريره ، وعلى يمينه أربعة آلاف كرسيّ من ذهب ، وعن يساره مثل ذلك ، وقد اصطفّت الإنس صفوفا وفراسخ ، واصطفّت الجنّ والشياطين والوحوش والسّباع والهوامّ والطير كذلك صفوفا وفراسخ ، عن يمينه ويساره.
فلما رأوا الشياطين نظروا إلى منظر فضيع ففزعوا منهم ، فقالت لهم الشياطين : جوزوا فلا بأس عليكم ، فكانوا يمرّون على كلّ كرؤوس من الجنّ والإنس والطير والوحوش حتى وقفوا بين يدي سليمان ، فنظر إليهم نظرا حسنا بوجه طلق ، وقال : ما وراءكم؟
فأخبرهم رئيسهم بما جاءوا به من الهديّة ، وأعطاه كتابا من الملكة ، فنظر فيه ، ثم قال لرسولها : (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها ؛) أي بعساكر لا طاقة لهم بها ، (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها ؛) من بلادهم ، (أَذِلَّةً ؛) مغلولة أيديهم إلى أعناقهم ، (وَهُمْ صاغِرُونَ) (٣٧) ؛ أي مهانون.
فلمّا أخبرها الرسول بذلك ، قالت : قد عرفت ما هذا بملك ، وما لنا به من طاقة ولا ينبغي لنا مخالفته ، فتجهّزت للمسير إليه ، ثم عمدت إلى سريرها فوضعته في سبعة بيوت مقفلة الأبواب ، بيت فوق بيت وجعلته في الطّبقة السابعة ، وجعلت الجيوش حوله وخرجت متوجّهة إلى سليمان.