الْعَلِيمِ) (٣٨) ؛ أي ذلك الذي سبق ذكره تقدير العزيز في ملكه ، العليم الذي لا يخفى عليه شيء. وفي قراءة ابن عبّاس : (تجري لا مستقرّ لها) أي لا قرار لها فهي جارية أبدا ما دامت الدّنيا.
قوله تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ ؛) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (والقمر) بالرفع عطفا على قوله (وَالشَّمْسُ تَجْرِي) ، وقيل : على الابتداء ، وقرأ الباقون بالنصب على معنى وقدّرناه القمر وقدّرنا منازل ، كما تقول : زيدا ضربته.
والمعنى : قدّرنا له منازل ينزل في كلّ ليلة منزلة ، وجملة منازل ثمانية وعشرون ، فإذا صار إلى آخر منزله وهي ليلة ثمان وعشرين ، (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (٣٩) ؛ وهو عذق النخلة الذي فيه الشّماريخ إذا يبس ، ولأن العذق إذا مضت عليه الأيام جفّ وتقوّس ويبس ودقّ واصفرّ وصار شبه الأشياء بالقمر في أوّل الشهر وآخره ، لا يقدر على ذلك إلّا الله تعالى.
قوله تعالى : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ؛) يعني أنّ الشمس أبطأ مسيرا من القمر فلا تدركه ، وذلك أنّ الشمس تقطع منازلها في سنة ، والقمر يقطع منازله في شهر ، وهما مسخّران مقهوران على ما ذكرهما الله تعالى.
ويقال معنى قوله : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) أي لا يدخل النّهار على الليل قبل انقضائه ، ولا يدخل الليل على النهار قبل انقضائه ، كلاهما يسيران دائبين ، ولكلّ حدّ لا يعدوه ولا يقصر دونه ، فإذا جاء سلطان هذا ذهب ذلك ، فإذا جاء سلطان ذلك ذهب هذا ، فذلك قوله تعالى : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ ؛) أي لا تتأخّر الشمس عن مجراها ، فتسبق ظلمة الليل في وقت النّهار.
قوله تعالى : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (٤٠) ؛ أي كلّ من الشمس والقمر والنّجوم الغاربة والطّالعة في فلك يسيرون ويجرون بالأبساط. والفلك : هو مواضع النجوم من الهواء ؛ أي الذي يجري فيه ، سمّي بهذا الاسم لأنه يدور بالنجوم ، ومنه فلكة المغزل لأنّها تدور بالمغزل.