جعلوه من حروثهم وأنعامهم لله ، فقال الكفّار : أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ورزقه) (١).
قال الحسن : (كان أهل الجاهليّة أهل إجبار ، فقالوا : لم يشأ الله أن نطعمه ، ولو شاء الله لأطعمناه). ويقال لهم : ظنّوا بجهلهم أنه تعالى إذا كان قادرا على أن يطعمهم فيغنيهم عن إنفاق الناس ، وهذا القول منهم خطأ ؛ لأنّ الله تعالى أغنى بعض الخلق وأفقر بعضهم ليبلي الغنيّ بالفقير فيما فرض له في ماله من الزّكاة ، والمؤمن لا يعترض على المشيئة ، وإنما يوافق الأمر. وقوله تعالى : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٤٧) ؛ هذا من قول الكفّار للمؤمنين ، يقولون لهم : إن أنتم في اتّباعكم محمّدا صلىاللهعليهوسلم وترك ديننا إلّا في خطأ بيّن.
قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٤٨) ؛ أي يقول كفار مكّة : متى هذا الوعد الذي تعدنا يا محمّد صلىاللهعليهوسلم من القيام إن كنتم صادقين أنت وأصحابك أنّا نبعث بعد الموت فأروني ذلك.
يقول الله تعالى : (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) (٤٩) قال ابن عبّاس : (يعني النّفخة الّتي تفجرهم وهم يخصّمون في أمر الدّنيا وفي مصرفاتهم) ، والمعنى : تأخذهم الصيحة وهم يختصمون في البيع والشّراء ويتكلّمون في الأسواق والمجالس ، وهي نفخة إسرافيل.
قيل : قرأ ابن كثير وورش (يخصّمون) بفتح الخاء وتشديد الصاد ، وقرأ نافع غير ورش ساكنة الخاء مشدّدة الصاد ، وقرأ أبو عمرو بالإخفاء ، وقرأ حمزة ساكنة الخاء مخفّفة ؛ أي فغلب بعضهم بعضا بالخصام ، وأجود القراءة فتح الخاء مع تشديد الصاد ، ولأن الأصل يختصمون فألقيت حركة ألف المدغم على الساكن الذي قبله وهو الخاء ، وقرأ الباقون بكسر الخاء وتشديد الصاد (٢).
__________________
(١) قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٨٨.
(٢) ينظر : إعراب القرآن للنحاس : ج ٣ ص ٢٦٨. والحجة للقراء السبعة : ج ٣ ص ٣٠٨.