الرحمن على هذا القول خبر مبتدأ محذوف تقديره : حقّ ما وعد الرحمن ، وهذا ما وعد الرحمن.
قوله تعالى : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) (٥٣) ؛ هذا في النفخة الثانية ؛ أي ما كانت نفخة البعث إلّا صيحة واحدة لا تثنّى ، فإذا هم الأوّلون والآخرون في عرصات القيامة محضرون ، فإهلاكهم كان صيحة واحدة ، وبعث الخلائق كلّهم كان صيحة واحدة.
قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ؛) أي لا ينقص من حسنات أحد ولا يزاد على سيّئات أحد ، (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٥٤) ، ولا يجزى كلّ عامل إلّا ما عمل من خير أو شرّ.
قوله تعالى : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) (٥٥) ؛ معناه : إن أصحاب الجنّة في الآخرة في شغل فاكهون. قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بجزم الغين ، وقرأ الباقون (فِي شُغُلٍ) بضمّ الغين ، وهما لغتان مثل : السّحت والسّحت (١).
واختلف المفسّرون في شغلهم ، قال مقاتل : (شغلوا بافتضاض العذارى عن أهل النّار فلا يذكرونهم ولا يهتمّون بهم) (٢). وقال الحسن : (شغلوا بما في الجنّة من النّعم عن ما فيه أهل النّار من العذاب) (٣).
وعن أبي سعيد الخدريّ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [إنّ أهل الجنّة كلّما جامعوا نساءهم عدن أبكارا](٤). قوله تعالى : (فاكِهُونَ) أي أصحاب فاكهة ، كما يقال : شاحم لاحم (٥) ؛ أي ذو شحم ولحم ، وعاسل ذو عسل ، وقرأ أبو جعفر
__________________
(١) ينظر : إعراب القرآن للنحاس : ج ٣ ص ٢٧١.
(٢) قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٨٩.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٢٣٥٣).
(٤) في مجمع الزوائد : ج ١٠ ص ٤١٧ ؛ قال الهيثمي : (رواه البزار والطبراني في الصغير ، وفيه معلى ابن عبد الرحمن الواسطي ، وهو كذاب).
(٥) في المخطوط تحريف : (شاخ لاخ).