وفي الآية دلالة على أنّ إبراهيم كان مأمورا بذبح ولده ، لأن رؤيا الأنبياء عليهمالسلام وحي بمنزلة الوحي إليهم في اليقظة ، ولذلك قال الابن : (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) ولم يقل : افعل ما رأيت في المنام.
واختلفوا في الذبيح من هو؟ فذهب الأكثرون إلى أنه إسحق ، وإليه ذهب من الصّحابة عمر بن الخطّاب وعليّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبّاس بن عبد المطّلب ، ومن التابعين كعب الأحبار وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهريّ والسدي.
وقال آخرون : هو إسماعيل ، وهو قول ابن عمر وابن عبّاس وسعيد بن المسيّب والشعبيّ والحسن ومجاهد والكلبيّ والربيع بن أنس ومحمّد بن كعب القرظيّ. وروي عن أبي إسحق الزجّاج أنه قال : (الله أعلم أيّهما الذبيح) (١).
وسياق الآية يدلّ على أنه إسحق ؛ لأنه تعالى قال (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) ولا خلاف أنه إسحق ، ثم قال : فلما بلغ معه السعي ، فعطف بقصّة الذبح مع ذكر اسحق ، وقد روي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم القولان ، وروي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [الّذي أراد إبراهيم ذبحه هو إسحق](٢).
وعن معاوية رضي الله عنه أنه قال : كنت عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فجاء رجل فقال : يا رسول الله عدّ عليّ ممّا أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين ، فضحك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسأل معاوية ومن الذبيحان؟ فقال : [إنّ عبد المطّلب لمّا حفر زمزم نذر لله تعالى لئن سهّل الله أمره ليذبحنّ أحد ولده ، فخرج السّهم على عبد الله ، فمنعه أخواله وقالوا : إفد ابنك بمائة من الإبل ، ففداه بمائة من الإبل ، والذبيح الثّاني
__________________
(١) ينظر : معالم التنزيل للبغوي : ص ١٠٩٤. والجامع لأحكام القرآن للقرطبي : ج ١٥ ص ١٠٠.
(٢) أخرجه الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب : ج ٢ : الحديث (٣١٧٣). وفي مجمع الزوائد : ج ٨ ص ٢٠٢ ؛ قال الهيثمي : (رواه البزار وفيه مبارك بن فضالة وقد ضعفه الجمهور). وفي الدر المنثور : ج ٧ ص ١٠٧ ؛ قال السيوطي : (أخرجه الدارقطني في الأفراد والديلمي عن ابن مسعود وأخرجه ابن مردويه عن (بهار) وكانت له صحبة).