وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (لمّا رأى إبراهيم ذبح ابنه قال الشّيطان : والله لئن لم تزلّ آل إبراهيم في هذا الأمر لا بقيت استزلّ منهم أحدا ، فتمثّل الشّيطان رجلا وأتى الولد فقال له : هل تدري أين يذهب بك أبوك؟ قال : نعم نحتطب لأهلنا حطبا من هذا الشّعب ، قال : والله ما يريد إلّا أن يذبحك ، قال : ولم؟ قال : زعم أنّ ربّه أمره بذبحك ، قال : فليفعل ما أمره به ربّه ، فسمعا وطاعة لله عزوجل. فرجع الشّيطان إلى أمّ الولد فقال لها : أتدرين أين ذهب إبراهيم بابنك؟ قالت : نعم ذهبا يحتطبان ، قال : لا والله ما ذهب به إلّا ليذبحه ، قالت : كلّا هو أرحم به وأشدّ حبّا له من ذلك ، قال : إنّه زعم أنّ الله أمره بذلك ، قالت : فإن كان ربّه قد أمره بذلك فقد أحسن في امتثال أمر ربه.
فخرج الشّيطان من عندها حتّى أتى إلى إبراهيم عليهالسلام فقال : أين تريد أيّها الشّيخ؟ قال : أريد هذا الشّعب لحاجة ، قال : إنّي والله لأدري الشّيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك هذا ، فعرفه إبراهيم وقال : يا عدوّ الله لأمضيينّ لأمر ربي. فرجع إبليس لعنه الله بغيظه ولم يصب من آل إبراهيم شيئا ممّا أراد) (١).
قوله تعالى : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) (١٠٣) ؛ أي فلمّا انقادا وخضعا لأمر الله تعالى ورضيا به ، وقرأ ابن مسعود : (فلمّا سلّما) أي فوّضا. قوله تعالى : (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) أي صرعه وأضجعه وكبّه على وجهه للذبح ، وقيل : طرحه على الأرض على أحد جنبيه كما يفعل بالكبش حين يذبح ، نادته الملائكة من الجبل بإذن الله : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا ؛) أي وفّيت الرّؤيا حقّها ؛ أي وفّيت بما أمرت به في المنام ، دع ابنك وخذ الكبش الذي ينحدر إليك من الجبل المشرف على مسجد منى.
وقوله تعالى (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) أي نودي من الجبل أن يا إبراهيم قد صدّقت الرّؤيا لأنّ الله تعالى قد عرف منهما الصدق حين قصد إبراهيم الذبح بما أمكنه
__________________
(١) رواه الحاكم في المستدرك : كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء : الحديث (٤٠٩٩). وأخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (٢٢٦٣٠). وابن أبي حاتم في التفسير الكبير : الحديث (١٨٢٣٦).