(مِنْ دُونِ اللهِ) ، فيؤلمون قلوبهم بمثل هذا التوبيخ كما يؤلمون أبدانهم بالتعذيب ، (قالُوا ؛) فيقول الكفار : (ضَلُّوا عَنَّا) ، أي ضلّت آلهتنا عنّا ؛ أي ضاعت فلا نراها ، ثم يجحدون عبادة الأصنام فيقولون : (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً) ، إن لم نكن نعبد من قبل هذا شيئا ، ويجوز أن يكون هذا كالرّجل يعمل عملا لا ينتفع به ، فيقال له : إيش تعمل؟ فيقول : لا شيء.
وقوله تعالى : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ) (٧٤) ؛ أي هكذا يهلكهم ذلك العذاب الذي نزل بكم ، (ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ؛) بالباطل ، (وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (٧٦) ؛ قال مقاتل : (يعني البطر والخيلاء).
والغلّ : هو ما يجعل في العنق للإذلال والإهانة. والطّوق : هو ما يجعل للإجلال والكرامة. وقرأ ابن عبّاس : (والسّلاسل) بفتح اللام ، و (يسحبون) بفتح الياء ؛ معناه : ويسحبون السلاسل (١).
قوله تعالى : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ؛) بنصرك والانتقام منهم ، (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) (٧٧) ؛ معناه : فإن انتقمنا منهم وأنت حيّ فبشرى لك ، وإن نتوفّاك قبل «أن» نريك ذلك فإلينا مرجع الكلّ منهم للمجازاة ، وسيصل إليهم موعدهم.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ؛) أي منهم من قصصنا عليك خبرهم في القرآن ، ومنهم من لم نقصص عليك خبرهم ، (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ؛) في الآية إبلاغ عذر النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فيما يأتيهم به من الآيات التي كانوا يقترحونها عليه ، وليس علينا حصر عدد الرّسل ، ولكنا نؤمن بجملتهم.
__________________
(١) في إعراب القرآن للنحاس : ج ٤ ص ٣١ ؛ قال : (وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس أنه قرأ (والسلاسل) بالنصب (يسحبون) والتقدير في قراءته : ويسحبون السلاسل).