قوله تعالى : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ ؛) أي بارّ رحيم بهم ، يعني أهل طاعة ، وقال مقاتل : (لطيف بالبرّ والفاجر ، لا يهلكهم جوعا) (١) ، يدلّ على هذا قوله تعالى : (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ ؛) وكلّ من رزقه الله من مؤمن وكافر ذي روح ممن يشاء أن يرزقه ، (وَهُوَ الْقَوِيُّ ؛) على ما أراد من رزق من يرزقه ، (الْعَزِيزُ) (١٩) يعني الغالب الذي لا يلحقه عجز فيما أراد. واللطيف هو الموصل للنفع إلى غيره من جهة يدقّ استدراكها.
قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ؛) أي من كان يريد بعمله نفع الآخرة (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) أي نعينه على العبادة ، ونسهّل له ، وقيل : نزد له في ثوابه الحسنة بعشر أمثالها. وقيل : نزد له في قوّته ونشاطه وخشيته في العمل ، كما قال تعالى (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا)(٢).
قوله تعالى : (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا ؛) أي ومن كان يريد بعمله نفع الدّنيا من رزق أو محمدة ، (نُؤْتِهِ مِنْها ؛) ما نشاء على ما تقتضيه الحكمة ، (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (٢٠) ؛ من ثواب ؛ لأنه عمل لغير الله (٣) ، قال السديّ : (هذا المنافق ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعطيه سهمه من الغنيمة).
قوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ ؛) يعني كفار مكّة ألهم آلهة سنّوا من الدين والشريعة ما لم يعلم الله به؟ قال ابن عبّاس : (شرعوا لهم دينا غير دين الإسلام) (٤)(وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ؛) أي لو لا حكم الله بأن يفصل بينهم يوم القيامة لعاجلهم بالعقوبة ، (وَإِنَ
__________________
(١) قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ١٧٦.
(٢) العنكبوت / ٦٩.
(٣) عن أبي العالية عن أبي بن كعب ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : [بشر هذه الأمة بالنصر والسناء والتمكين ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا ، لم يكن له في الآخرة نصيب]. أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٥ ص ١٣٤. وابن حبان في الإحسان : الحديث (٤٠٥) بإسناد حسن.
(٤) نقله البغوي في معالم التنزيل : ص ١١٥٨.