البحر ، (كَالْأَعْلامِ) اي كالجبال الطّوال ، (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ ؛) معناه : إن شاء الله يسكن الرّيح التي تجري بها السّفن فيبقين واقفات على ظهر الماء ، ويبقى أهلها حيارى لا يجدون حيلة في الخلاص ؛ لأن ماء البحر راكد لا تجري السفينة فيه إلّا بريح تجريه ، فذلك معنى قوله تعالى : (فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ ؛) يعني السّفن رواكد ؛ أي ثوابت على ظهر البحر لا تجري ولا تبرح ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ ؛) أي لدلالات على توحيد الله تعالى ، (لِكُلِّ صَبَّارٍ ؛) على طاعته ، (شَكُورٍ) (٣٣) ؛ على نعمه. وقيل : لكلّ صبّار في الشدّة ، شكور في الرّخاء.
قوله تعالى : (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا ؛) أي يهلكهنّ بالريح العاصف ، ويغرقهنّ ، يعني : أهلهنّ (بِما كَسَبُوا) أي بما أشركوا واقترفوا من الذنب ، (وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ) (٣٤) ؛ من ذنوبهم فينجّيهم من الغرق والهلاك. والمعنى : (أَوْ يُوبِقْهُنَّ) وإن يشأ يعف عن كثير فتجري السّفن على ما يشاؤون.
قوله تعالى : (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (٣٥) ؛ يعني أن الكفار الذين يكذّبون بالقرآن إذا صاروا إلى الله بعد البعث علموا أن لا مهرب لهم من عذاب الله تعالى.
فمن قرأ (ويعلم) بالرفع فعلى الابتداء من غير أن يكون معطوفا على (وَيَعْفُ) لأنّ علم الله تعالى مقطوع به لا يجوز تعليقه بمشيئة ، ومن قرأ بالنصب فهو نصب على إضمار (أن) معناه : ولئن يعلم الذين ينازعون في آياتنا بالتكذيب أنه لا مخلص لهم في الآخرة من عذابه ، كما لا مخلص لأهل السّفينة من البحر إلّا بالله.
قوله تعالى : (فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا ؛) أي ما أعطيتم من شيء مما في أيديكم فهو متاع يتمتّع به إلى حين ، (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى ؛) من الثواب أفضل وأدوم مما في أيديكم ، ثم بيّن الله لمن الثواب فقال : (لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٣٦).
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) (٣٧) ؛ قد تقدّم الكلام في الكبائر والفواحش في سورة النّساء ، قال