وقوله تعالى : (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً ؛) أي أقوى من قومك ، يعني الأوّلين الذين هلكوا بتكذيبهم ، (وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) (٨) ؛ وسبق فيما أنزلنا إليك تشبيه بتكذيبهم ، فعاقبة هؤلاء أيضا الإهلاك.
قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ؛) معناه : ولئن سألت قومك من خلق السّموات والأرض ، (لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) (٩) ، وهذا إخبار عن غاية جهلهم إذ أقرّوا بأنّ الله خلق السموات والأرض ، ثم عبدوا معه غيره وأنكروا قدرته على البعث ، فهم يقرّون بالله ويشركون به غيره ، كما قال تعالى في آية أخرى (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)(١) وتمّ الكلام والإخبار عنهم.
ثم ابتدأ قوله عزوجل فقال : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً ؛) هذا ابتداء كلام من الله تعالى على معنى : نعم خلقهنّ العزيز العليم الذي جعل لكم الأرض مهادا يمكنكم القرار عليها ، (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً ؛) أي طرقا ، (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٠) ؛ في الطريق من بلد إلى بلد ، وتهتدون بوحدانيّة الله.
قوله تعالى : (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ ؛) يعني المطر بمقدار معلوم يعلمه خازن المطر ليس كما أنزل على قوم نوح بغير قدر حتى أهلكهم ، بل هو بقدر يكون معاشا لكم ولأنعامكم ، وقوله تعالى : (فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً ؛) أي فأحيينا بذلك المطر بلدا ميتا بإخراج الأشجار والزرع ، (كَذلِكَ تُخْرَجُونَ) (١١) ؛ من القبور يوم النشور للحساب والجزاء.
قوله تعالى : (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ) (١٢) ؛ معناه والذي خلق الأصناف كلّها والألوان كلّها ، ويقال : الذكور والإناث كلّها ، وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون عليها في البرّ.
قوله تعالى : (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) ؛ الكناية تعود إلى لفظ (ما) أي لتستووا على ظهور ما تركبون ، (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) ؛
__________________
(١) يوسف / ١٠٦.