وسمّيت هذه الليلة مباركة لأنّ فيها الرحمة ومغفرة الذنوب ، وفيها يقدّر الله الأشياء من أرزاق العباد وآجالهم وغير ذلك من الأمور. ويقال : إنما سمّيت مباركة لأنه لا يقدّر فيها شيئا من المكاره ، كما قال تعالى : (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)(١).
وعن عكرمة أنه كان يقول : (اللّيلة المباركة هي ليلة النّصف من شعبان ، فيها يقضى كلّ أمر فيه حكمة ، وفيها ينسخ لجبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت جميع ما هم موكّلون به من سنة إلى سنة) (٢). وكان ابن عبّاس يقول : (إنّك لتلقى الرّجل في السّوق قد كتب اسمه في الموتى) (٣). والصحيح : أنّ الليلة المباركة هي ليلة القدر ، وعليه أكثر المفسّرين.
قوله تعالى : (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا ؛) انتصب ب (يُفْرَقُ) بمنزلة (يُفْرَقُ) لأن (أَمْراً) بمعنى فرقا ، وفيه بيان أنّ الذي يفرق في هذه الليلة لا يكون إلّا من عند الله تعالى وتدبيره ، كأنّه قال : بأمر من عندنا. قوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) (٥) ؛ أي مرسلين محمّدا صلىاللهعليهوسلم ومن قبله من الأنبياء ، (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ؛) أي رأفة منّي بخلقي ونعمة عليهم. وانتصب على أنه مفعول له على تقدير الرّحمة ، وقال الزجّاج : (تقديره : إنّا أنزلناه في ليلة مباركة للرّحمة) (٤). (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ؛) لما يقوله المحقّ والمبطل ، (الْعَلِيمُ) (٦) ، بأفعال العباد.
قوله تعالى : (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما ؛) بالخفض على البدل من قوله (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ). وقوله تعالى (وَما بَيْنَهُما) يعني من الهواء والخلق. وقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُ
__________________
(١) القدر / ٥.
(٢) في الدر المنثور : ج ٧ ص ٤٠١ ؛ قال السيوطي : (وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق محمد بن سوقة عن عكرمة) وذكره. وأخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٤٠٠٨) وذكره بمعناه.
(٣) في الدر المنثور : ج ٧ ص ٤٠٠ ؛ قال السيوطي : (وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس ...) وذكره.
(٤) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ج ٤ ص ٣٢٢.