بصره ويعرض عنها ، ثم قال لها : (يا أمة الله كوني خلفي ، وانعتي لي الطّريق بقولك ، ودلّيني عليها إن أنا أخطأت ، فإنّا بنوا يعقوب لا نستطيع النّظر إلى أعجاز النّساء) (١).
قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢٥) ؛ أي فلمّا جاء موسى إلى شعيب إذ هو بالعشاء مهيّأ ، فقال له شعيب : من أنت؟ قال : أنا رجل من بني إسرائيل من أهل مصر ، وحدّثه بما كان منه من قتل القبطيّ وفراره من فرعون ، فقال له شعيب : إجلس (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي نجوت من فرعون وقومه ، فإنّهم لا سلطان لهم بأرضنا ، ولسنا مملكته.
فجلس معه موسى عليهالسلام فقال له شعيب : هاك فتعشّ ، فقال : أعوذ بالله ، فقال له شعيب : ولم ذلك وأنت جائع؟ قال : أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لكم ، وإنّا أهل بيت لا يبغ شيئا من عمل الآخرة بملئ الأرض ذهبا ، فقال شعيب : لا والله! ولكنّها عادتي وعادة آبائي ، نقري الضيّف ونطعم الطعام ، فجلس موسى عليهالسلام يتعشّى حينئذ.
قوله تعالى : (قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (٢٦) ؛ أي قالت إحداهما وهي التي تزوّجها موسى : يا أبت اتّخذه أجيرا يرعى لنا غنمنا ، فإنّ خير من استأجرت الذي يقوى على العمل ، ويؤدّي الأمانة.
فقال لها أبوها : وما علمك بقوّته وأمانته؟ فقالت : أمّا قوّته فإنه لمّا رأى أغنامنا محبوسة عن الماء ، قال لنا : هل بقربكما بئر؟ قلنا : نعم ؛ لكن عليها صخرة عظيمة لا يرفعها إلّا أربعون رجلا ، قال : انطلقا بي إليها ، فانطلقا به إليها ، فأخذ الصخرة بيده ونحّاها سهلا من غير كلفة. وأمّا أمانته فإنه قال لي في بعض الطّريق : إمش خلفي ، فإن أخطأت الطريق فارم قبلي بحصاة حتى أنهج نهجا ، فإنّا قوم لا ننظر
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٠٨٤٢) عن السدي ، والاثر (٢٠٨٤٤) عن ابن اسحق.