قوله تعالى : (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٨) ؛ كلمة تنزيه عمّا تظنّ المشبهة أنّ الله تعالى كان في تلك النار ، تعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا.
قوله تعالى : (يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٩) ؛ أي أنا الدّاعي الذي يدعوك ، أنا الله العزيز في ملكي ، الحكيم في أمري وقضائي.
فإن قيل : بماذا عرف موسى؟ قلنا : إنّما عرف نبوّة نفسه أن ذلك النداء من الله تعالى حتى جعل يدعو الناس إلى نبوّة نفسه بالمعجزة ، وذلك أنه رأى شجرة أخضر ما يكون من الشّجر في أنضر ما يكون ، لها شعاع يرتفع إلى السّماء في الهواء ، والنار تلتهب في أوراقها والأغصان ، فلا النار تحرق الأوراق ولا رطوبة الشجر والأغصان تطفئ النار ، فلما رأى ذلك بخلاف العادة ، علم أنه لا يكون ذلك إلّا من صنع الله تعالى.
قوله : (وَأَلْقِ عَصاكَ) ؛ أي وقيل له : ألق عصاك من يدك ، فألقاها فاهتزّت (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ) ؛ أي تضطرب كأنّها جانّ ، والجانّ : الحيّة البيضاء الخفيفة السريعة ، السريع شدّة الاضطراب يقال لها المسلّة. وإنّما شبّهها بالجانّ في خفّة حركتها وسرعة انتشارها عن الأعين ، وشبّهها في موضع آخر بالثّعبان لعظمها.
قوله تعالى : (وَلَّى مُدْبِراً) ؛ أي أعرض موسى هاربا من الخوف من الحيّة ، (وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي لم يرجع ولم يلتفت إلى شيء وراءه ، يقال : عقّب فلان إذا رجع.
فقال الله : (يا مُوسى لا تَخَفْ) ، من ضررها ، (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) (١٠) ؛ أي لا يخاف عندي وفي حكمي من أرسلته ، (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ؛) من المرسلين بارتكاب الصغيرة (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) ، ثمّ تاب من بعد ذلك ، (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١١) ؛ به ، فكان السبب في هذا الاستثناء أنّ موسى كان مستشعرا حقّه لما كان منه من قبل القبطيّ ، فأمّنه الله بهذا الكلام.