قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً ؛) أي أعطيناهما معرفة الدّين وأحكام الشّريعة ، وقيل : علما بقضاء الطّير والدّواب وتسبيح الجبال ، فقابلا تلك النعمة بالشّكر ، (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا ؛) بالنبوّة والكتاب وإلانة الحديد وتسخير الشّياطين والجنّ والإنس ، (عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) (١٥).
قوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ؛) أي ورث نبوّته وعلمه وملكه ، وذلك أنه كان لداود تسعة عشر إبنا ذكرا ، فورث سليمان ملكه ومجلسه ومقامه ونبوّته من بينهم.
وعن أبي هريرة قال : (نزل كتاب من السّماء إلى داود عليهالسلام مختوما ، فيه عشر مسائل ؛ أن اسأل ابنك سليمان عنهنّ ، فإن أخرجهنّ فهو الخليفة من بعدك. قال : فدعا داود (١) سبعين قسّيسا وسبعين حبرا ، وأجلس سليمان بينهم ، وقال له : يا نبيّ الله ؛ إنّه نزل كتاب من السّماء فيه عشر مسائل ، أردت أن أسألك عنهنّ ، فإن أنت أخرجتهنّ فأنت الخليفة من بعدي. فقال سليمان : لتسأل نبيّ الله عليهالسلام عمّا الله يراه ، وما توفيقي إلّا بالله.
قال : أخبرني يا نبيّ : ما أبعد الأشياء؟ وما أقرب الأشياء؟ وما آنس الأشياء؟ وما أوحش الأشياء؟ وما القائمان؟ وما المختلفان؟ وما المتباغضان؟ وما الأمر الّذي إذا ركبه الرّجل حمد آخره؟ وما الأمر الّذي إذا ركبه الرّجل ذمّ آخره؟
فقال سليمان : أمّا أقرب الأشياء فالآخرة ، وأمّا أبعد الأشياء فما فاتك من الدّنيا ، وأمّا آنس الأشياء فجسد فيه روح ، وأمّا أوحش الأشياء فجسد لا روح فيه ، وأمّا القائمان فالسّماء والأرض ، وأمّا المختلفان فاللّيل والنّهار ، وأمّا المتباغضان فالموت والحياة ، وأمّا الأمر الّذي إذا ركبه الرّجل حمد آخره فالحلم على الغضب ، وأمّا الأمر الّذي إذا ركبه ذمّ آخره فالحدّة على الغضب.
قال : ففكّ الختم فإذا هي هذه المسائل سواء على ما نزل من السّماء. فقال القسّيسون والأخبار : لن نرضى حتّى نسأله عن مسألة ، فإن هو أخرجها فهو الخليفة
__________________
(١) في المخطوط : (سُلَيْمانُ) والسياق يقتضي (داوُدَ) فأثبتناه.