(فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٠))
(فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي لتتفكروا أن الدنيا زائلة والآخرة باقية فتطلبوا الآخرة بترك الدنيا في سبيل الله (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) أي عن مخالطتهم ، وذلك بعد نزول قوله (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ)(١) وقوله (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً)(٢) الآية ، فتركوا مخالطتهم ومواكلتهم ، وشق ذلك عليهم حتى لو كان عند رجل يتيم يجعل له بيتا على حدة وطعاما على حدة ، فقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله ، قد عزلنا عن اليتامى بما أنزل الله من الشدة أفيصلح لنا أن نخالطهم (٣) فنزل (٤)(قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) أي إصلاح مالهم بنظركم فيه خير لكم من ترك الخلطة والنظر عليهم لتثابوا ، وخير لهم ليتيازد مالهم ، وذلك إصلاح لهم (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ) أي وإن تخلطوا أموالكم إلى أموالهم وتشاركوهم فيها (فَإِخْوانُكُمْ) أي فهم إخوانكم في الدين ، ومن حق الأخ أن يخالط أخاه ويعينه ولا يضره (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ) لمال اليتيم (مِنَ الْمُصْلِحِ) لماله ، يعني إذا قصدتم به الإصلاح فلا بأس عليكم بالخلطة (وَلَوْ شاءَ اللهُ) إعناتكم (لَأَعْنَتَكُمْ) أي ليضيق عليكم بالشدة ، يعني لما أباح لكم مخالطتهم وشق ذلك عليكم (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) أي غالب على أن يعنت عباده (حَكِيمٌ) [٢٢٠] في صنيعه ، يعني لا يكلفهم فوق طاقتهم.
(وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٢١))
قوله (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) أي تتزوجوهن وهن الوثنيات (حَتَّى يُؤْمِنَّ) أي حتى يصدقن بالله وبمحمد عليهالسلام ، نزل حين سأل أبو مرثد النبي عن تزوجه بامرأة يقال لها عناق وكانت مشركة لا من أهل الكتاب ، فنهاه عنه (٥) ثم قال (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) أي نكاح امرأة مؤمنة حرة كانت أو أمة ، فالمراد من الأمة أمة الله خير من نكاح حرة مشركة (وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) أي ولو أعجبكم نكاحها وتحبونها (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ) أي لا تزوجوهم نساءكم المؤمنات (حَتَّى يُؤْمِنُوا) بالله ورسوله فلا يجوز تزويج مسلمة لكافر إجماعا (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ) أي نكاح عبد من عباد الله حرا كان أو رقيقا (خَيْرٌ مِنْ) تزويج (مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) تزويجه وتحبونه (أُولئِكَ) أي المشركات والمشركون (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) أي إلى عمل أهلها (وَاللهُ يَدْعُوا) أي على لسان أنبيائه (إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ) أي إلى أعمال الجنة وأسباب المغفرة من التوبة والإنابة والتقوى (بِإِذْنِهِ) أي بارادته وتيسيره للعمل الذي يستحق به الجنة والمغفرة (وَيُبَيِّنُ آياتِهِ) من الأمر والنهي في أمر التزويج وغيره (لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [٢٢١] أي يتعظون وينتهون عن المعاصي.
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢))
قوله (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) عطف على السؤال قبله ، وإنما ترك حرف العطف الذي هو (٦) واو الجمع في الأسولة التي ذكرت ليدل على أن تلك الحوادث وقعت في أحوال متفرقة ، وذكره في الأسولة الأخيرة ، لأنهم سألوا عن الحوادث الأخر في وقت واحد ، كأنه قيل : يجمعون لك بين هذه السؤالات منها السؤال عن المحيض (٧) ، نزل في شأن رجل من الأنصار ، اسمه أبو الدحداح ، سأل رسول الله ، كيف نصنع بالنساء إذا حضن
__________________
(١) الأنعام (٦) ، ١٥٢ ؛ والاسراء (١٧) ، ٣٤.
(٢) النساء (٤) ، ١٠.
(٣) أن نخالطهم ، ب م : أن يخالطهم ، س.
(٤) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٢٠٤.
(٥) نقله المفسر عن السمرقندي ، ١ / ٢٠٤ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٥٩ ـ ٦٠ (عن مقاتل بن حيان).
(٦) حرف العطف الذي هو ، س م : ـ ب.
(٧) السؤال عن المحيض ، ب س : ـ م.