أنقربهن أم لا (١)؟ أي يسألونك عن الوطئ في زمان الحيض ، فيكون المحيض اسم الزمان هنا (قُلْ هُوَ) أي الدم (أَذىً) أي شيء نجس يؤذي من يقربه مجامعا (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) أي اتركوا مجامعتهن أيام حيضهن (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ) بالجماع (حَتَّى يَطْهُرْنَ) بفتح الطاء والهاء مع التشديد ، أي يغتسلن ، وبسكون الطاء وضم الهاء مع التخفيف (٢) ، أي يطهرن من المحيض وينقطع دمهن ، قيل : إذا انقطع الدم في أقل من عشرة لا يجوز قربانها ما لم يغتسل أو يمضي عليها وقت الصلوة ، فاذا تمت العشرة وانقطع الدم جاز أن يقربها ، وعند الشافعي رضي الله عنه لا يجوز ما لم تغتسل (٣)(فَإِذا تَطَهَّرْنَ) أي اغتسلن (فَأْتُوهُنَّ) أي جامعوهن (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) أي من الفرج ولا تعدوه (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) من الشرك والذنوب (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [٢٢٢] أي المغتسلين بالماء من الجناية والأحداث أي المتنزهين من اتيانهن في الحيض أو في أدبارهن.
(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣))
قوله (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) أي مزرع ومنبت للولد كالأرض للنبات في موقع البيان لقوله (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ)(٤)(فَأْتُوا حَرْثَكُمْ) أي نساءكم في محل الزرع وهو القبل (أَنَّى شِئْتُمْ) أي كيف أردتم مستقبلين أو مستدبرين بعد أن كان المأتي واحدا ، وهو موضع الحرث فيه تحريم الأدبار وتحليل الإقبال لطلب النسل لا لقضاء الشهوة ، قال عليهالسلام : «ملعون من أتى امرأة في دبرها» (٥)(وَقَدِّمُوا) أي الأعمال الصالحة (لِأَنْفُسِكُمْ) أي لا تعملوا المناهي أو قدموا التسمية على الوطئ أو طلب الولد ، قال عليهالسلام : «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلثة : صدقة جارية بعده أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» (٦)(وَاتَّقُوا اللهَ) أي اخشوه على كل حال من عمل السيئة (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) أي صائرون إليه فاستعدوا له بما لا تفتضحون به (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [٢٢٣] يا محمد ، أي الذين يصدقون بوعده تعالى ويحافظون حدوده.
(وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤))
قوله (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً) أي علة معترضة (لِأَيْمانِكُمْ) جمع يمين ، والمراد هنا المحلوف عليه ، وسمي به لملابسة اليمين ، فاللام يتعلق ب (عُرْضَةً) لما فيها من معنى الاعتراض ، ويجوز أن يتعلق بالفعل ، والمعنى : ولا تجعلوا الله حاجزا لما حلفتم عليه باليمين بالله على ترك فعل الخير من الإحسان لأحد أو صلة الرحم وإصلاح ذات البين و (٧) العبادة كالصوم والصلوة (٨) أو غير ذلك من الخيرات ، فيقولون : نحن حلفنا بالله فنخاف من اليمين به ان نفعله فنحنث في يميننا ، ومحل قوله (أَنْ تَبَرُّوا) أي لأن لا تحسنوا ، نصب على أنه مفعول له ، وكذا (وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ) أي لأن لا تتقوا ولا تصلحوا بين الناس أو بتقدير كراهة أن تبرؤا ، نزل في عبد الله بن رواحة الأنصاري حين حلف أن لا يدخل على ختنه بشر بن نعمان ولا يكلمه ، فجعل يقول حلفت بالله أن لا أفعل ولا يحل لي إلا أن أبر في يميني (٩) فصارت الآية عامة في كل من كان يحلف بالله أن لا يحسن أحدا ولا يتقي من العصيان ، فيعمل ما اشتهت نفسه وأن لا يصلح بين الناس إذا وقعت فيهم العداوة والبغضاء ، فقال تعالى
__________________
(١) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ٢٠٥.
(٢) «يطهرن» : قرأ شعبة والأخوان وخلف بفتح الطاء والهاء مع التشديد فيهما ، والباقون بسكون الطاء وضم الهاء مخففة. البدور الزاهرة ، ٤٩.
(٣) تغتسل ، ب م : يغتسل ، س. اختصره من السمرقندي ، والكشاف ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢٠٥ ؛ والكشاف ، ١ / ١٢٩.
(٤) البقرة (٢) ، ٢٢٢.
(٥) انظر السمرقندي ، ١ / ٢٠٦ ؛ والبغوي ، ١ / ٢٩٦. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٦) رواه مسلم ، الوصية ، ١٤ ؛ وأبو داود ، الوصايا ، ١٤ ؛ والترمذي ، الأحكام ، ٣٦ ؛ والنسائي ، الوصايا ، ٨ ؛ وأحمد بن حنبل ، ٢ / ٣٧٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٢٩٧.
(٧) و ، ب م : أو ، س.
(٨) والصلوة ، س م : ـ ب.
(٩) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢٠٦ ؛ والواحدي ، ٦٥ ؛ والبغوي ، ٢٩٧.