كل ذلك خير وطاعة لا يمنعها حلفكم فان حلفتم عليها فلتكفروا عن حلفكم ولتفعلوا (١) تلك الخيرات من البر والتقوى والإصلاح بين الناس ، قال عليهالسلام : «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فاليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير» (٢)(وَاللهُ سَمِيعٌ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) [٢٢٤] بنياتكم فيجازيكم عليها.
(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥))
(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ) أي لا يعاقبكم بلغو يمينكم ، واللغو هو المطروح من الكلام لكونه باطلا ، يقال : لغي لغوا إذا قال باطلا ، ولغو اليمين أن يحلف الرجل بالله على شيء يظن أنه صادق فيه وليس كذلك سواء كان الذي يحلف ماضيا أو غيره فليس له إثم ولا كفارة ، هذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه ، وأما عند الشافعي رضي الله عنه فلغو اليمين ما سبق إليه اللسان بلا قصد الحلف نحو لا والله وبلى والله ، وفي الآية معنيان : أحدهما لا يعاقبكم الله باللغو (فِي أَيْمانِكُمْ) بالظن (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ) أي يعاقبكم (بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) من قصد الإثم بالكذب في اليمين ، وهو أن يحلف الرجل على ما يعلم أنه خلاف ما يقوله وهي اليمين الغموس ، وسميت بالغموس لا نغماس صاحبها في الإثم بها ، وثانيهما لا يؤاخذكم ، يعني لا يلزمكم الله الكفارة بلغو اليمين الذي لا قصد معه ولكن يلزمكم الكفارة بما نوت قلوبكم وقصدت من اليمين لا بكسب اللسان وحده (وَاللهُ غَفُورٌ) لمن حنث وفرّ عن يمينه (حَلِيمٌ) [٢٢٥] حيث لم يعاقبكم باللغو في اليمين ، ورخص لكم الحنث والتكفير في غيره ، قيل : إذا حلف أحدكم بشيء فحنث ، إن كان مستقبلا فعليه كفارة وهو اليمين المنعقدة وإن كان ماضيا فان كان الحالف عالما بالواقع وحلف على خلافه فاليمين كبيرة ولا كفارة عند أبي حنيفة رضي الله عنه في الكبائر ، وعند الشافعي رحمهالله يجب الكفارة فيه وهو اليمين الغموس وإن كان الحالف جاهلا بالواقع ويرى أنه صادق فيه وليس كذلك فلا كفارة فيه وهو يمين اللغو عند أبي حنيفة ، واليمين (٣) الغموس عند الشافعي رضي الله عنه ويحكم فيه بالكفارة (٤).
(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦))
قوله (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ) أي يحلفون على القربان ، من الإيلاء وهو يتعدى ب «على» ، لكنه ضمن معنى البعد فتعدى ب «من» ، فكأنه قال : يبعدون بالقسم (مِنْ نِسائِهِمْ) نزل فيمن كان يكره امرأته ويخاف أن يطلقها فيتزوجها غيره فيحلف على أن لا يقربها فيتركها لا ذات بعل ولا أيما (٥) ، فبين الله تعالى الحكم في المؤلين ، فقال للذين يحلفون أن لا يجامعوا نساءهم (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) أي انتظار أجل أربعة أشهر بعد الحلف (فَإِنْ فاؤُ) تفصيل للذين يؤلون ، أي فهم بعد الإيلاء ان رجعوا عن اليمين في تلك الأشهر وجامعوا نساءهم من قبل أن تمضي المدة (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) يغفر للمؤمنين لرجوعهم من ضرار نسائهم بالإيلاء (رَحِيمٌ) [٢٢٦] يرحم لهم بترخيص الكفارة في ذلك ، قيل : إن فاء الحالف إليها في المدة بالوطئ إن أمكنه أو بالقول إن عجز عن الوطئ صح الفيء وحنث بالوطئ ولزمته كفارة اليمين ولا تلزمه (٦) بالفيء بالقول وإن مضت المدة ولم يفئ إليها بانت بتطليقة (٧) عند أبي حنيفة رحمهالله ، وعند الشافعي رضي الله عنه لا يصح الإيلاء إلا في أكثر من أربعة أشهر ، أي يحلف الرجل على أنه لا يقربها أكثر من أربعة أشهر ، فاذا مضت المدة وقف فأما أن يجامع أو يطلق فان أبى طلق عليه القاضي وإن عجز عن الجماع فاء بلسانه ، والحر والعبد سواء في مدة الإيلاء عند الشافعي رضي الله
__________________
(١) ولتفعلوا ، ب : وليفعلوا ، س م.
(٢) أخرجه مسلم ، الأيمان ، ١١ ـ ١٣ ؛ والترمذي ، النذور ، ٦ ؛ والنسائي ، الأيمان ، ١٥ ، ١٦ ؛ وابن ماجة الكفارات ، ٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ١٢٩ ـ ١٣٠.
(٣) اليمين ، ب س : يمين ، م.
(٤) لعله اختصره من البغوي ، ١ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩ ؛ والكشاف ، ١ / ١٣٠.
(٥) لعل المفسر أخذه باختصار من البغوي ، ١ / ٣٠٠.
(٦) تلزمه ، س : يلزمه ، ب م.
(٧) بتطليقة ، س : بتطليقه ، ب م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ١٣٠.