على التوبة وردع عن اليأس (وَلَمْ يُصِرُّوا) أي لم يقيموا (عَلى ما فَعَلُوا) أي على الذنب الذي فعلوه (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [١٣٥] أنه ذنب وإن الله يغفر الذنوب.
(أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (١٣٦))
(أُولئِكَ) أي أهل هذه الصفات (جَزاؤُهُمْ) أي ثوابهم (مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) أي لا يخرجون عنها ولا يموتون (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) [١٣٦] أي نعم ثواب المطيعين ما أعد لهم من الجنة بالتوبة والطاعة ، قال عليهالسلام : «ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيحسن الطهور ، ثم يقوم فيصلي ، ثم يستغفر الله إلا غفر له» (١).
(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧))
قوله (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) تحريض على التوبة وتحصيل المغفرة والجنة بالإخبار عن أحوال من تقدمهم (٢) والأمر بالاعتبار بعواقبهم ، أي قد مضت في الأمم قبلكم طرائق باهلاك المكذبين ، جمع سنة وهي الطريقة التي سنها الله لإهلاك من كذب أنبياء الله وآياته (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أي إن شككتم في ذلك فسافروا في الأرض بسير الأقدام أو تفكروا في أرض القلب بسير الفكر (فَانْظُروا) بنظر العين والمشاهدة (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [١٣٧] من آثار هلاكهم بوقائعه تعالى.
(هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨))
(هذا) أي القرآن (بَيانٌ لِلنَّاسِ) أي تطهير لنفوسهم من الضلالة والجهل (وَهُدىً) أي تنوير لأرواحهم وبصائرهم بنور العلم واليقين ليهتدوا به إلى معرفة الله تعالى (وَمَوْعِظَةٌ) أي اتعاظ بآياته (لِلْمُتَّقِينَ) [١٣٨] يدعوهم إلى النسك والخشوع والثبات على الطاعة والصبر على ما أصابهم في سبيل الله ويصرفهم عن افتراء الإثم والفسوق من القول والفعل.
(وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩))
قوله (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا) نزل تسلية لرسول الله والمؤمنين على ما أصابهم يوم أحد ، ورجعوا إلى المدينة منهزمين محزونين وتقوية لقلوبهم على الجهاد وردعا عن التقاعد عنه جبنا ووهنا (٣) ، وهو عطف على مقدر ، أي جاهدوا في طاعة ربكم ولا تضعفوا عن قتال عدوكم بما أصابكم في دين الله ، ولا تجبنوا ولا تحزنوا من استبطاء العون والنصرة منه تعالى أو من ما أصابكم من قتل وجرح بأحد والهزيمة (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) شأنا على الأعداء ، أي الغالبون عليهم بعد أحد في الدنيا ، روي : أن المسلمين لم يخرجوا بعد ذلك مع رسول الله إلا ظفروا ، وفي كل عسكر بعد رسول الله إذا كان (٤) فيه واحد (٥) من الصحابة كان الظفر لهم (٦) ، وأنتم الغالبون أيضا في الآخرة ، لأن قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار ، وهي بشارة لهم بالعلو (٧) والغلبة في الدارين ، قوله (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [١٣٩] شرط ، جوابه محذوف بدلالة ما قبله من النهي ، أي إن كنتم مصدقين بنصر الله ووعده فلا تهنوا ولا تحزنوا ، لأن صحة الإيمان في القلب توجب (٨) قوة القلب والثقة بصنع الله وقلة المبالاة بأعدائه.
__________________
(١) انظر البغوي ، ١ / ٥٥٢. روى أحمد بن حنبل نحوه ، ١ / ١٠.
(٢) من تقدمهم ، ب س : من يقدمهم ، م.
(٣) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ١٠٦ ؛ وانظر أيضا ، السمرقندي ، ١ / ٣٠١ ؛ والبغوي ، ١ / ٥٥٤.
(٤) كان ، ب م : كانوا ، س ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٠١.
(٥) واحد ، ب م : ـ س ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٠١.
(٦) أخذه المصنف عن السمرقندي ، ١ / ٣٠١.
(٧) بالعلو ، ب م : في العلو ، س.
(٨) توجب ، س : يوجب ، ب م.