والفرق بينهما أن الرحمن عام معنى وخاص لفظا ، لا يطلق على غيره تعالى ، والرحيم خاص معنى وعام لفظا ، يطلق على غيره ويسمى به.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢))
(الْحَمْدُ) أي جميع المحامد والأثنية (لِلَّهِ) معبود الخلق بالحق عينية كانت أو عرضية ، فاللام فيه للاستغراق عند أهل السنة ، والحملة مبتدأ وخبر ، محلها نصب ، مفعول أمر مقدر من القول لتعليم عباده (١) كيف يحمدونه؟ تقديره : قولوا «الحمد لله» ، ولذا لم يقل «الحمد لي» ، وفيه معنى الشكور والمدح ، لكن الحمد أعم من الشكر ، لأن الحمد يقال في مقابلة النعمة وغيرها ، والشكر لا يقال إلا في مقابلة النعمة ، وهو بالقلب واللسان والجوارح ، والحمد باللسان وحده ، قيل : «الحمد رأس الشكر» (٢) ، لأن عمل اللسان أوضح دلالة على الثناء بخلاف عمل القلب لخفائه ، وبخلاف عمل الجوارح لاحتمال فيه ، والمدح أعم من الحمد لاقتضاء الحمد صدق الحامد في المحمود ، والمدح لا يقتضي صدق المادح في الممدوح ، فكل حمد مدح ، وليس كل مدح حمد.
(رَبِّ الْعالَمِينَ) [٢] أي مربي جميع الخلق ومالكهم ، وال «رب» مصدر بمعنى الفاعل ، يستعمل للسيد ، إذا دخل فيه لام التعريف اختص بالله ، وإضافته تعم ، يقال : رب العرش ورب الدار ، وكذا تنكيره ، والعالم كالخاتم اسم ما سوى الله من الجواهر والأعراض ، وإنما سمي به لأنه يعلم به الخالق القديم ، وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه ، وجمع بجمع العقلاء تغليبا لهم على غير العقلاء ، لأن كل شيء دال على وحدانية الله ، فكأنه عالم يتعلم منه ذلك ويستدل.
(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣))
(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [٣] صفة بعد صفة ، كررهما لتأكيد رحمته على خلقه وبيان سبقها على غضبه.
(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤))
(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [٤] صفة أخرى لبيان جبورته واختصاص الحكم به ثمه ، أي حاكم يوم الحساب والجزاء ، يعني لا ينازعه أحد في ملكه وحكمه كالمتنازعين في الملك والحكم في الدنيا ، وقريء «ملك» (٣) بمعنى المالك ، قيل : الملك من الملك بالضم عام من جهة المعنى ، وفيه معنى التسلط ، والمالك من الملك بالكسر خاص (٤) ، وفيه معنى الاستحقاق ، فكل مالك ملك وليس كل ملك مالكا. وإضافة اسم الفاعل إلى الظرف اتساع ، وهو جعل المفعول فيه بمنزلة المفعول به ، كقولهم : يا سارق الليل ، والمعنى على الظرفية ، أي مالك الأمر كله في يوم الدين ، وهي إضافة حقيقية بمعنى الاستمرار ، فجاز وقوعه صفة للمعرفة ، وخص ذكر «يوم الدين» مع أنه مالك يومه وغيره ليدل على أنه لا مالك لأحد في ذلك اليوم ، والمراد منه الوقت المطلق من النهار والليل ، وهو يوم اللغوي لا يوم العرفي وهو مدة من طلوع الشمس إلى غروبها ولا الشرعي وهو من طلوع الفجر الثاني إلى غروبها ، إذ لا شمس يوم الدين.
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥))
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ) أي نخصك بالتوحيد والعبادة ، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب ليكون تفرقة بين حالتي
__________________
(١) عباده ، ب س : عبادة ، م.
(٢) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ١ / ١٣. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة.
(٣) «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» : قرأ عاصم والكسائي ويعقوب وخلف في اختياره باثبات ألف بعد الميم لفظا والباقون بحذفها. انظر عبد الفتاح القاضي ، البدور الزاهرة في القراآت العشر المتواترة من طريق الشاطبية والدري ، بيروت ، ١٤٠١ ه ـ ١٩٨١ م ، ١٠.
(٤) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ٨٠ ؛ والكشاف ، ١ / ١٤.