القصاص من الحرمات (١) إذا هتكت اقتص منها بمثلها ، يعني قتالكم في الشهر الحرام الذي حرم القتال (٢) على المؤمنين يكون بقتالهم قصاصا ، وأكد ذلك بقوله (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ) أي تجاوز بقتالكم في الشهر الحرام (فَاعْتَدُوا) أي تجاوزوا (عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) أي بأن تقاتلوه فيه بمثل ما قاتلكم ، وسمي الثاني اعتداء لازدواج الكلام (وَاتَّقُوا اللهَ) أي اخشوه إذا نصرتم من أخذ أكثر من حقكم ممن ظلمكم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [١٩٤] عن الاعتداء بالمعاونة على المعتدين.
(وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥))
ونزل حين أمر الناس بالخروج إلى الجهاد فقام بعض من حاضري المدينة وقالوا بماذا نتجهز في سبيل الله فو الله ما لنا زاد ولا يطعمنا أحد قوله (٣)(وَأَنْفِقُوا) أي تصدقوا يا أهل الميسرة (فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في طاعته ومنها الجهاد ، وقيل : الآية في حق أهل البخل حيث قالوا لو أنفقنا أموالنا صرنا فقراء إلى الناس (٤)(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ) أي لا تطرحوا أنفسكم وعبر بالأيدي عن الأنفس ، والباء مزيدة (إِلَى التَّهْلُكَةِ) أي الهلاك بالبخل وترك الجهاد ، لأنه سببه ، قال عليهالسلام : «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق» (٥) ، وقيل : «التهلكة هي القنوط من الرحمة عند إصابة الذنب» (٦)(وَأَحْسِنُوا) بالله الظن فيما أنفقتم أنه يخلف عليكم في الدنيا ويثيبكم في الآخرة أو أحسنوا الإنفاق في الغزو ومن غير إسراف ولا تقتير (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [١٩٥] فيما يفعلون من الخير.
(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٩٦))
قوله (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) نزل نهيا عما لا يستحل فيهما ، لأن المشركين كانوا يقولون في التلبية لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما يملك (٧) ، فقال تعالى وأتموهما ، أي لا تخلطوا بهما شيئا آخر ، وقيل : إتمامهما بأن يكون النفقة من الحلال وبالانتهاء عما نهيتم عنه وبعدم شوبهما بشيء من التجارة (٨) ، وقيل : إتمامهما باحرامك بهما من دويرة أهلك أو باتمام مناسكهما وسننهما بالإحرام من المواقيت (٩) ، ووجوب الحج إجماعي على المستطيع ، والعمرة واجبة عند الشافعي رضي الله عنه ، وسنة عند أبي حنيفة رحمهالله.
والحج ثلثة : إفراد ، وهو أن يحج الرجل ثم يعتمر بعد فراغه ، وهو الأفضل عند الشافعي ، وتمتع وهو أن يعتمر في أشهر الحج وبعد الفراغ منها يحرم بالحج من مكة فيحج في هذا العام ، وقران ، وهو أن يحرم بحج وعمرة معا أو يحرم بعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل أن يطول وهو الأفضل عند أبي حنيفة (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) أي إن (١٠) حبستم عن البيت بعد ما أحرمتم وهو تمرض أو عدو أو غيرهما مما يحول بين الرجل والحج (فَمَا اسْتَيْسَرَ)
__________________
(١) الحرمات ، ب م : المحرمات ، س.
(٢) القتال ، س م : قتال ، ب.
(٣) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ١ / ١٩٠.
(٤) عن سعيد بن المسيب ومقاتل ، انظر البغوي ، ١ / ٢٣٨.
(٥) أخرجه مسلم ، الإمارة ، ١٥٨ ؛ والنسائي ، الجهاد ، ٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٢٣٩.
(٦) عن محمد بن سيرين وعبيدة السلماني ، انظر البغوي ، ١ / ٢٣٩.
(٧) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ١٩١.
(٨) لعل المفسر اختصره من البغوي ، ١ / ٢٤٠ ؛ والكشاف ، ١ / ١١٦.
(٩) لعل المفسر أخذه باختصار عن البغوي ، ١ / ٢٤٠ ؛ والكشاف ، ١ / ١١٦.
(١٠) إن ، س : ـ ب م.