أي فعليكم ما تيسر (مِنَ الْهَدْيِ) وهو مصدر في الأصل ، والمراد كل ما يهدى إلى البيت تقربا إلى الله من النعم ، أيسره شاة وأوسطه بقرة وأعلاه بدنة ، فيتحلل المحرم بذبح الهدي وحلق الرأس في مكان أحصر عند أكثر الفقهاء كما فعل النبي عليهالسلام يوم الحديبية ، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : يبعث هديه إلى الحرم بمكة لينحر فيه ويقيم في مكان أحصر على إحرامه ويواعد يوما من يذبحه عنه فيه ثم يحل من إحرامه في يوم الذبح إذا علم أنه قد ذبح ويرجع إلى أهله ، ثم يقضي حجه وعمرته بعد ذلك ، وما (١) نحر النبي عليهالسلام فيه من المحصر كان طرف الحديبية إلى أسفل مكة وهو من الحرم ، فالمعنى : أنكم إذا منعتم عن حج البيت فعليكم من الهدي ما تسهل لكم (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ) في حال الإحرام (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) أي منحره الذي يذبح فيه ، من الحلول وهو النزول ، يعني يثبت على إحرامه من غير حلق حتى يذبح هديه إذا لم يضطر إلى الحلق قبله ، ثم صار هذا الحكم عاما لجميع الحاج من المفرد والقارن والمتمتع والمعتمر ، يعني لا يجوز له أن يحلق رأسه إلا بعد أن يذبح هديه وإن لم يحصر ، يعني في منا ، ونزل في شأن كعب بن عجرة حين اشتكى إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من هوام رأسه في حال الإحرام قوله (٢)(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) أي من كان في جسده مرض (أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ) كالصداع والجراحة (٣) والقمل (فَفِدْيَةٌ) أي فعليه إذا حلق رأسه قبل وقته وهو يوم النحر للضرورة فدية (مِنْ صِيامٍ) أي من صيام ثلثة أيام (أَوْ صَدَقَةٍ) يطعمها لستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع (أَوْ نُسُكٍ) مصدر بمعنى الذبيحة ، أدناها شاة وأوسطها بقرة وأعلاها بدنة ، و «أو» هنا للتخيير ، أي هو مخير بين الذبح والصيام والتصدق (فَإِذا أَمِنْتُمْ) من خوف العدو ومن المرض وكنتم في حال سعة لا في حال إحصار (فَمَنْ تَمَتَّعَ) أي استمتع وانتفع بالتقرب (بِالْعُمْرَةِ) إلى الله (إِلَى الْحَجِّ) أي إلى وقت الحج ، يعني قبل انتفاعه بتقربه إليه بالحج ، وقيل : من انتفع إذا حل من عمرته باستباحة ما كان محرما عليه إلى أن يحرم بالحج (٤)(فَمَا اسْتَيْسَرَ) أي فعليه ما تيسر (مِنَ الْهَدْيِ) أي من الشاة وغيرها من النعم يذبحها يوم النحر فلو ذبحه قبله بعد ما أحرم بالحج منعه بعضهم كدم الأضحية ، وجوزه بعضهم كدم الجنايات (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) أي الهدي (فَصِيامُ) أي فعليه صيام (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) أي في وقته وأشهره ويكون آخر الأيام يوم عرفة فيصوم يوما قبل التروية ويوم التروية ، ولا يجوز صوم الثلثة في يوم النحر وفي أيام التشريق ، وقيل : يجوز في أيام التشريق (٥)(وَسَبْعَةٍ) أي وصيام سبعة أيام (إِذا رَجَعْتُمْ) إلى أهليكم وبلدكم فلو صامها قبل الرجوع لم يجز عند الأكثر ومنهم الشافعي ، وقيل : يجوز صيامها بعد الفراغ من أعمال الحج وبه قال أبو حنيفة رضي الله ، وقال : هو المراد من الرجوع في الآية ، قوله (تِلْكَ) أي صيام ثلثة وسبعة (عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) في البدل من الهدي أو في الثواب ، وقيل : هذا الكلام لنفي توهم أن الواو في (وَسَبْعَةٍ) بمعنى أو ، فلا يجب صيام جميع العشرة إذ الواو قد يكون بمعنى أو ، وأو يكون للتخيير (٦) ، وقيل : هو خبر صورة بمعنى الأمر (٧) ، أي فأكملوها ولا تنقصوها (ذلِكَ) أي الهدي الميسر أو الصيام عند الشافعي (لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي المقيمين (٨) في الحرم ، وقيل (٩) : لفظ (ذلِكَ) إشارة إلى التمتع (١٠) ، أي ليس لحاضري المسجد الحرام متعة ولا قران ، وهو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه ، فمن تمتع أو قرن منهم فعليه دم جناية (١١) لا يأكل منه وحاضر والمسجد الحرام عند أبي حنيفة أهل المواقيت فما دونها ، وعند الشافعي من كان وطنه على أقل من مسافة القصر من مكة (وَاتَّقُوا اللهَ) في أداء ما أمركم به ونهاكم عنه (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ
__________________
(١) وما ، ب س : فما ، م.
(٢) نقله المفسر عن السمرقندي ، ١ / ١٩١ ـ ١٩٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.
(٣) الجراحة ، ب م : الحراجة ، س.
(٤) اختصره من الكشاف ، ١ / ١١٧ ـ ١١٨.
(٥) لعله أخذه عن البغوي ، ١ / ٢٤٨.
(٦) لعله اختصره من الكشاف ، ١ / ١١٨.
(٧) لعله اختصره من البغوي ، ١ / ٢٤٨.
(٨) المقيمين ، م : مقيمين ، ب ، س.
(٩) وقيل ، ب د : ـ م.
(١٠) التمتع ، ب س : المتمتع ، م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ١١٨. أخذه من الكشاف.
(١١) فعليه دم جناية ، ب م : فعليه دم وهو دم جناية ، س.