(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨) فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٢٤٩)
٢٤٨ ـ (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) أي صندوق التوراة ، وكان موسى عليهالسلام إذا قاتل قدّمه فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرّون (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) سكون وطمأنينة (وَبَقِيَّةٌ) هي رضاض (١) الألواح وعصا موسى وثيابه وشيء من التوراة ونعلا موسى وعمامة هارون عليهالسلام (مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) أي مما تركه موسى وهارون ، والآل مقحم لتفخيم شأنهما (تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) يعني التابوت وكان رفعه الله بعد موسى ، فنزلت به الملائكة تحمله وهم ينظرون إليه ، والجملة في موضع الحال وكذا فيه سكينة ، ومن ربّكم نعت لسكينة ، ومما ترك نعت لبقية (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أنّ في رجوع التابوت إليكم علامة أنّ الله قد ملّك طالوت عليكم إن كنتم مصدقين.
٢٤٩ ـ (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ) خرج (بِالْجُنُودِ) عن بلده إلى جهاد العدو ، وبالجنود في موضع الحال أي مختلطا بالجنود ، وهم ثمانون ألفا ، وكان الوقت قيظا وسألوا أن يجري الله لهم نهرا (قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ) مختبركم أي يعاملكم معاملة المختبر (بِنَهَرٍ) وهو نهر فلسطين ، ليتميز المحقّق في الجهاد من المعذّر (٢) (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ) كرعا (فَلَيْسَ مِنِّي) فليس من أتباعي وأشياعي (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) ومن لم يذقه من طعم الشيء إذا ذاقه (فَإِنَّهُ مِنِّي) وبفتح الياء مدني وأبو عمرو ، واستثنى (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ) من قوله فمن شرب منه فليس مني ، والجملة الثانية في حكم المتأخرة عن الاستثناء إلا أنّها قدّمت للعناية (غُرْفَةً بِيَدِهِ) غرفة حجازي وأبو عمرو بمعنى المصدر ، وبالضم بمعنى المغروف ، ومعناه الرخصة في اغتراف الغرفة
__________________
(١) رضاض الألواح : فتاتها.
(٢) المعذّر : المعتذر بغير عذر.