إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (١٥٣)
(فَشِلْتُمْ) جبنتم (وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) أي اختلفتم (وَعَصَيْتُمْ) أمر نبيكم بترككم المركز واشتغالكم بالغنيمة (مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) من الظفر وقهر الكفار ، ومتعلق إذا محذوف تقديره حتى إذا فشلتم منعكم نصره ، وجاز أن يكون المعنى صدقكم الله وعده إلى وقت فشلكم (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) أي الغنيمة وهم الذين تركوا المركز لطلب الغنيمة. روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم جعل أحدا خلف ظهره واستقبل المدينة وأقام الرماة عند الجبل وأمرهم أن يثبتوا في مكانهم ولا يبرحوا كانت الدولة للمسلمين أو عليهم ، فلما أقبل المشركون جعل الرماة يرشقون خيلهم والباقون يضربونهم بالسيوف حتى انهزموا والمسلمون على آثارهم يقتلونهم ، حتى إذا فشلوا وتنازعوا فقال بعضهم قد انهزم المشركون فما موقفنا ههنا (١) فادخلوا عسكر المسلمين وخذوا الغنيمة مع إخوانكم ، وقال بعضهم لا تخالفوا أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢) فممن ثبت مكانه عبد الله بن جبير (٣) أمير الرماة في نفر دون العشرة وهم المعنيون بقوله : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) فكرّ المشركون على الرماة وقتلوا عبد الله بن جبير وأقبلوا على المسلمين حتى هزموهم وقتلوا من قتلوا ، وهو قوله : (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ) أي كفّ معونته عنكم فغلبوكم (لِيَبْتَلِيَكُمْ) ليمتحن صبركم على المصائب وثباتكم عندها ، وحقيقته ليعاملكم معاملة المختبر لأنّه يجازي على ما يعمله العبد لا على ما يعلمه منه (وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) حيث ندمتم على ما فرط منكم من عصيان رسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) بالعفو عنهم وقبول توبتهم ، أو هو متفضل عليهم في جميع الأحوال سواء أديل لهم أو أديل عليهم لأنّ الابتلاء رحمة كما أنّ النصرة رحمة.
١٥٣ ـ وانتصب (إِذْ تُصْعِدُونَ) تبالغون في الذهاب في صعيد الأرض ، والإصعاد الذهاب في صعيد الأرض أو الإبعاد فيه ، بصرفكم أو بقوله ليبتليكم أو بإضمار اذكروا (وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ) ولا تلتفون وهو عبارة عن غاية انهزامهم
__________________
(١) في (ظ) هنا.
(٢) ليست في (أ).
(٣) عبد الله بن جبير بن النعمان الأنصاري ، صحابي شهد العقبة وبدرا واستشهد في أحد (الأعلام ٤ / ٧٦).