(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ) (١٩١)
١٩٠ ـ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ) لأدلة واضحة على صانع قديم عليم حكيم قادر (لِأُولِي الْأَلْبابِ) لمن خلّص عقله عن الهوى خلوص اللبّ عن القشر فيرى أنّ العرض المحدث في الجواهر يدلّ على حدوث الجواهر لأنّ جوهرا ما لا ينفكّ عن عرض حادث وما لا يخلو عن الحادث فهو حادث ، ثم حدوثها يدلّ على محدثها وذا قديم وإلّا لاحتاج إلى محدث آخر إلى ما لا يتناهى ، وحسن صنعه يدلّ على علمه ، وإتقانه يدلّ على حكمته ، وبقاؤه يدلّ على قدرته ، قال عليهالسلام : (ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها) (١) وحكي أنّه كان في بني إسرائيل من إذا عبد الله ثلاثين سنة أظلّته سحابة ، فعبدها فتى فلم تظلّه ، فقالت له أمّه : لعلّ فرطة فرطت منك في مدّتك! قال : ما أذكر ، قالت : لعلك نظرت مرة إلى السماء ولم تعتبر ، قال : لعل ، قالت : فما أوتيت إلّا من ذاك (٢).
١٩١ ـ (الَّذِينَ) في موضع جر نعت لأولي ، أو نصب بإضمار أعني ، أو رفع بإضمارهم (يَذْكُرُونَ اللهَ) يصلّون (قِياماً) قائمين عند القدرة (وَقُعُوداً) قاعدين (وَعَلى جُنُوبِهِمْ) أي مضطجعين عند العجز ، وقياما وقعودا حالان من ضمير الفاعل في يذكرون ، وعلى جنوبهم حال أيضا ، أو المراد الذكر على كلّ حال لأنّ الإنسان لا يخلو عن هذه الأحوال ، وفي الحديث : (من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله) (٣) (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وما يدلّ عليه اختراع هذه الأجرام العظام وإبداع صنعتها وما دبّر فيها مما تكلّ الأفهام عن إدراك بعض عجائبه من عظم شأن الصانع وكبرياء سلطانه ، وعن النبي عليهالسلام : (بينا رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى النّجوم وإلى السماء فقال أشهد أنّ لك ربا وخالقا اللهم اغفر لي
__________________
(١) رواه الثعلبي بغير إسناد وبلفظ : (ويل لمن قرأ هذه الآية فمج بها). قال الزمخشري : أي ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ولم يعتبر بها ، واخطأ النسفي باعتماده شرح الزمخشري بدل ألفاظ الثعلبي للحديث!
(٢) في (ز) من ذلك.
(٣) رواه ابن أبي شيبة وإسحاق والطبراني من حديث معاذ ، وأخرجه الثعلبي في تفسير العنكبوت ، وابن مردويه في تفسير الواقعة ، قاله ابن حجر.