(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً) (٣٥)
لحفظ الغيب ، أو بحفظ الله إياهنّ حيث صيّرهنّ كذلك.
والثاني : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) عصيانهنّ وترفعهنّ عن طاعة الأزواج. والنّشز : المكان المرتفع والنّبوة. عن ابن عباس رضي الله عنهما هو أن تستخفّ بحقوق زوجها ولا تطيع أمره (فَعِظُوهُنَ) خوّفوهنّ عقوبة الله تعالى والضرب ، والعظة كلام يلين القلوب القاسية ويرغب الطبائع النافرة (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ) في المراقد ، أي لا تداخلوهنّ تحت اللّحف ، وهو كناية عن الجماع ، أو هو أن يوليها ظهره في المضجع ، لأنّه لم يقل عن المضاجع (وَاضْرِبُوهُنَ) ضربا غير مبرّح. أمر بوعظهنّ أولا ثم بهجرانهنّ في المضاجع ثم بالضرب إن لم ينجع فيهنّ الوعظ والهجران (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) بترك النشوز (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) فأزيلوا عنهنّ التعرّض بالأذى ، وسبيلا مفعول تبغوا ، وهو من بغيت الأمر أي طلبته (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) أي إن علت أيديكم عليهنّ فاعلموا أنّ قدرته عليكم أعظم من قدرتكم عليهن فاجتنبوا ظلمهنّ ، أو إنّ الله كان عليا كبيرا وإنّكم تعصونه على علوّ شأنه وكبرياء سلطانه ثم تتوبون فيتوب عليكم ، فأنتم أحقّ بالعفو عمن يجني عليكم إذا رجع ، ثم خاطب الولاة بقوله :
٣٥ ـ (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما) أصله شقاقا بينهما فأضيف الشقاق إلى الظرف على سبيل الاتساع كقوله : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) (١) وأصله بل مكر (٢) الليل والنهار. والشقاق : العداوة والخلاف ، لأنّ كلا منهما يفعل ما يشقّ على صاحبه ، أو يميل إلى شقّ أي ناحية غير شقّ صاحبه ، والضمير للزوجين ولم يجز ذكرهما لجري ذكر ما يدلّ عليهما وهو الرجال والنساء (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ) رجلا يصلح للحكومة والإصلاح بينهما (وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) وإنّما كان بعث الحكمين من أهلهما لأنّ الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح ، ونفوس الزوجين أسكن إليهم فيبرزان ما في ضمائرهما من الحبّ والبغض وإرادة الصحة والفرقة. والضمير في (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً) للحكمين ، وفي (يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) للزوجين ، أي إن قصدا إصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة بورك في وساطتهما ، وأوقع الله بحسن سعيهما بين
__________________
(١) سبأ ، ٣٤ / ٣٣.
(٢) في (ز) مكر في الليل.