(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (٦٥)
وكانوا من أكثر الناس مالا ، فعند ذلك قال فنحاص : يد الله مغلولة ورضي بقوله الآخرون فأشركوا فيه ، وغلّ اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ، ومنه قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) (١) ولا يقصد المتكلم به إثبات يد ولا غل ولا بسط ، حتى إنّه يستعمل في ملك يعطي ويمنع بالإشارة من غير استعمال اليد ، ولو أعطى الأقطع إلى المنكب عطاء جزلا لقالوا ما أبسط يده بالنوال ، وقد استعمل حيث لا تصحّ اليد ، يقال بسط اليأس كفّيه في صدري ، فجعل لليأس (٢) الذي هو من المعاني كفّان ، ومن لم ينظر في علم البيان يتحيّر في تأويل أمثال هذه الآية ، وقوله غلّت أيديهم دعاء عليهم بالبخل ومن ثمّ كانوا أبخل خلق الله ، أو تغلّ في جهنم فهي كأنها غلّت ، وإنما ثنّيت اليد في بل يداه مبسوطتان وهي مفردة في يد الله مغلولة ليكون ردّ قولهم وإنكاره أبلغ وأدلّ على إثبات غاية السخاء له ونفي البخل عنه ، فغاية ما يبذله السخي أن يعطيه بيديه (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) تأكيد للوصف بالسخاء ودلالة على أنّه لا ينفق إلّا على مقتضى الحكمة (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ) من اليهود (ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) أي يزدادون عند نزول القرآن لحسدهم تماديا في الجحود وكفرا بآيات الله ، وهذا من إضافة الفعل إلى السبب ، كما قال : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) (٣) (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) فكلمهم أبدا مختلف ، وقلوبهم شتى ، لا يقع بينهم اتفاق ولا تعاضد (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) كلما أرادوا محاربة أحد غلبوا وقهروا لم يقم لهم نصر من الله على أحد قط ، وقد أتاهم الإسلام وهم في ملك المجوس ، وقيل كلّما حاربوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم نصر عليهم ، عن قتادة لا تلقى يهوديا ببلدة إلّا وقد وجدته (٤) من أذلّ الناس (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) ويجتهدون في دفع الإسلام ومحو ذكر النبي عليهالسلام من كتبهم (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).
٦٥ ـ (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا) برسول الله عليهالسلام وبما جاء به مع ما عدّدنا من سيئاتهم (وَاتَّقَوْا) أي وقرنوا إيمانهم بالتقوى (لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) ولم نؤاخذهم بها (وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) مع المسلمين.
__________________
(١) الإسراء ، ١٧ / ٢٩.
(٢) في (ز) البأس بدل اليأس.
(٣) التوبة ، ٩ / ١٢٥.
(٤) في (ز) في بلد ، وفي (أ) وجدتهم.