مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٧) رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا
____________________________________
(مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) فإذا لم يظهر المعنى في بادئ النظر لا ينكرون ولا يقولون بالتناقض ، فإنهم جمعوا بين فضيلتي العلم بالتأويل والإذعان بصحة المتشابه بخلاف الجهال فإنهم يعترضون على المتشابه أولا ويفسرون حسب أهوائهم ثانيا ، وهكذا نجد الآن في العرف العالم الورع يجمع بين الفضيلتين والجاهل يشتمل على الرذيلتين (وَما يَذَّكَّرُ) أي يتذكر ويرد المتشابه إلى المحكم وإلى ما دل من العقل والنقل (إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) أي أصحاب العقول الحصيفة ، ثم إنه ورد في الأحاديث أن المراد بالراسخين النبي والأئمة عليهمالسلام ولا يخفى أنهم من أجلّ مصاديق الراسخين وذلك هو المراد لا الانحصار.
[٩] إن الراسخين في العلم يلتجئون إلى الله سبحانه قائلين (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) أي لا تملها عن الحق وإنما نسب الزيغ إليه سبحانه لأنه هو الذي هيأ الأسباب ليمتحن عباده فترك الإنسان ـ وعدم اللطف به ـ حتى يقع فريسة الشيطان من صنع الله سبحانه كما يقال أن الملك أفسد الرعية لا يراد أنه أفسدهم وإنما يراد تركهم حتى يفسدوا ، ولا يخفى الفرق بينه سبحانه وبين الملك لرعيته فإن الله حيث خلق الدنيا للاختبار لا بد وأن يهيئ الوسيلتين ليظهر المطيع من العاصي كما قال : (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ) (١) بخلاف الملك فإنه لا يحق له أن يفسد الرعية حتى بتركهم وما يشاءون فإنه يأمر بالصلاح والإصلاح كما أن الله تعالى يسبل النعم على الجنات ولا يعاقبهم عقوبة ظاهرة في
__________________
(١) الإسراء : ٢١.