فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً
____________________________________
القرآن الحكيم كشاهد مسيطر يدل على مواقع الخطأ والصواب من الكتب السابقة ، كل ما حرفوه دل عليه وكل ما زادوا أو أنقصوا منهما أشار إليه ، وذلك لأن القرآن يبيّن كليات العقائد وأصول العبادة والمعاملة والأخلاق ، وفي الكتب السابقة مواقع كثيرة قد زاغت عن الحق بأيادي أثيمة ، يدل عليها القرآن ويشير إليها (فَاحْكُمْ) يا رسول الله (بَيْنَهُمْ) أي بين أهل الكتب السالفة ، أو بين اليهود (بِما أَنْزَلَ اللهُ) من الأحكام ، ومنها في رجم زنا المحصن ، وقتل القاتل (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) أي ما يشتهون من خلاف حكم الله ، فقد أحبوا أن يحكم الرسول بخلاف الحق ، فيفتي بجلد المحصن الزاني ، ودية القاتل (عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِ) أي لا تزغ عما جاءك ، فإن معنى اتباع أهوائهم : الزيغ عن الحق. وكثيرا ما يشبه فعل معنى فعل آخر فيتعدى الفعل الأول بما يتعدى به الفعل الثاني ، كما ذكره «المغني».
ولما كان المقام يوهم اتحاد الديانات من جميع الحيثيات حيث أن الآيات السابقة أفادت تصديق كل نبي وكتاب لما سبقه ، فأية حاجة إذا لإيمان اليهود والنصارى بالنبي والقرآن ، تعرّض السياق إلى اختلاف الشرائع والمناهج في الخصوصيات والمزايا وإن اتحد الجميع في الأصول والجوهر (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ) أي لكل أمة منكم أيها اليهود والنصارى والمسلمون جميعا جعلنا (شِرْعَةً) أي طريقة (وَمِنْهاجاً) «الشرعة» أول الطريق ، و «المنهاج» الطريق المستقيم الذي يلزمه