وهذه ميزة قلّما فعلها مفسّر أو وردت في تفسير إلّا في موارد قليلة ، فمثلا :
* الآيات (٢٠٥ ـ ٢٥٤) من سورة البقرة ، تعرّضت إلى مواضع عديدة بعضها يرتبط بأحكام الحجّ ، وبعضها بصفات الجاهلين وتعصّبهم ، وبعضها بالمنافقين ، وبعضها بالمجاهدين ، وبعضها بحركة الأنبياء عليهمالسلام في داخل المجتمع وعلاقة الناس بهم ، وبعضها تعرّض إلى وعود الله سبحانه وتعالى للمؤمنين بدرجات الآخرة ، وبعضها إلى أسئلة وجّهها المشركون إلى رسوله الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبعضها تضمّن السؤال عن جملة من المحرّمات ، وبعضها تعرّض إلى جملة من أحكام الأسرة وأحكام النساء وأحكام الولادة والإرضاع ، وبعضها إلى حقيقة الموت والحياة ، وبعضها إلى القتال والجهاد في سبيل الله ، وبعضها إلى الإنفاق ، وبعضها إلى غير ذلك. هذه العناوين والمواضيع المختلفة التي قد لا تتراءى للناظر بدوا بينها ترابط وثيق يجمعها السيّد (قدس سرّه) بسياق واحد ، فيجمع سابقها بلاحقها وبالعكس حتى يحصل من الكلام حديث عن صورة واحدة بكلّ ما يحتفّ بها من قرائن وشواهد تكمّل المعنى وتثير الغرابة والإعجاب (١).
* والآيات (٦٣ ـ ٦٥) من سورة المائدة ، تعرّضت إلى صفات المنافقين وأهل الكتاب وآثارهم السلبية على المجتمع ، وقد امتاز في تفسيره لها ، حيث يوضح ظاهرة الازدواجيّة الثقافيّة عندهم ، والصفات الانحرافيّة الأخلاقيّة الأخرى ، وأوجه التشابه بينهم. وكذلك الربط بين قيام الدول وهزيمتها وقوّة التلاحم والتفاهم وضعف التفرّق والاختلاف في آيات سورة الأنفال كقوله سبحانه : (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (٢) قال (قدس سرّه) : إنّ التنازع يوجب تبديد القوى المعنويّة بالإضافة إلى تبديده
__________________
(١) ولمزيد الاطّلاع يمكنك ملاحظة الربط العميق في آيات سورة الحجرات ودور الإيمان في تكوين المجتمع المؤمن. انظر سورة الحجرات : الآية ٢ ـ ١٩.
(٢) الأنفال : ٤٧.