وإضاعته للقوى الماديّة ، وتذهب ريحكم أي دولتكم ، فإنّ الريح بمعناها لغة ، وشبّهت بها الدول ؛ لأنّ الدولة تشبه الريح لهبوبها وسيطرتها على الأشياء ونفوذ أمرها. يقال : هبت ريح فلان إذا نفذ أمره ، والتنازع ليس يقسّم القوى إلى سلب وإيجاب فقط ، بل فوق ذلك يضعف القوى الإيجابيّة ، فلو فرضنا أنّ طاقة زيد تقدّر بألف مقاتل فإذا خالفه عمرو قدّرت طاقته بخمسمائة حتّى إنّه لو كان وحده بدون مخالف لكان قدر على الألف ؛ وذلك لأنّ الخلاف يحدّ من النشاط ، ويضعف من القوى ، بخلاف التجمّع فإنّه يزيد الطاقة الألفية إلى الألفين ؛ ولذا ثبت في علم النفس أنّ الإنسان إذا رأى خلافا فالأفضل أن يصمّ عن المخالف حتّى يبقى على قواه الذاتيّة ، ولا تحدّ من نشاطه الطاقة المناوئة (١).
ومضافا إلى ذلك كلّه أوجد ترابطا موضوعيّا بين تفسير أوّل سورة وآخر سورة من القرآن الكريم ، والترابط بين السور المتسلسلة والآيات المتسلسلة يجعل سور القرآن وآياته منظومة واحدة مترابطة كجملة واحدة نظّمت في غاية الإعجاز في اللفظ والمعنى والإحكام والإتقان (٢).
ثامنا : أورد السيّد المؤلّف (قدس سرّه) أسباب تسمية السور قبل الشروع في تفسيرها ، ثمّ بيّن الجو العامّ للسورة والمحور الكلّي الذي تدور حوله آياتها ، فعبّر عن بعضها أنّها بشأن التوحيد ، وأخرى بشأن الأسرة ، وثالثة بشأن العقيدة ، وهكذا ، ثم ذكر مائة وعشرين معنى للبسملة في تفسيره هذا ، حيث يضيف إليه امتيازا بارزا آخر ، فمثلا : في سورة الحمد فسّرها بالاستعانة ، وفي سورة البقرة علّلها بفرض التعليم والتربية على الابتداء في كلّ عمل أو نشاط بالاسم المبارك ؛ لما له من الأثر البالغ في الصبر
__________________
(١) تقريب القرآن إلى الأذهان : ج ١٠ ، ص ١٩ ، ذيل الآية ٤٧ من سورة الأنفال.
(٢) انظر التسلسل والربط بين سور الممتحنة والصفّ والجمعة والمنافقون والتغابن والطلاق والتحريم والملك والقلم والحاقّة ، وهكذا بين سور النساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة.