وفي سورة الرعد علّل الابتداء بالاسم دون الذات ؛ لأنّ الله سبحانه لا يبتدأ به وإنّما يبدأ باسمه. إنّه الله الرحمن الرحيم الذي أظهر صفاته الرحمة والتفضّل لا الانتقام والعقاب والقوّة والعذاب (١).
وفي سورة الحجر قال عنها : نستعين بالله الرحمن الرحيم في أمورنا ، ونجعله بدء أعمالنا ؛ ليكون عونا لنا في ختم العمل ، وأن يطبع بطابعه ، فإنّ ما لمسته رحمة الله العظيم لا يكون إلّا صالحا باقيا موجبا للسعادة ، ولنستمطر شآبيب رحمته فيرحمنا بلطفه وإحسانه (٢).
وهكذا يذكر معاني عديدة لأصل البسملة ، أو بيانا لفوائدها وأغراضها ، وهذه ميزة أخرى من مزايا هذا التفسير العظيم الذي قلّما يحظى بمثله تفسير ، حيث يكتفى غالبا بذكر بعض معانيها في أول سورة الحمد ثمّ يوكل إليه في تفسير سائر السور.
تاسعا : تصدّى أعلى الله مقامه للإجابة عن جملة من الشبهات التي قد يثيرها البعض تجاه الإسلام في العقائد أو في الأحكام ، ولم يتوقّف على بيان المعاني الظاهرة للآيات ، وهذا نهج جديد قلّما نجده في التفاسير ، وهو أن يتّخذ المفسّر نهج الدفاع والذود عن الشبهات وإبطال الادّعاءات الباطلة ؛ ليجعل من التفسير معلّما ومربّيا ومحاميا في آن معا ، فمن باب المثال : في بيان معنى قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (٣) تعرّض إلى فلسفة الحكم بنجاسة الكفار ، فبيّنها واختصرها في أمور ثلاثة :
١ ـ الوقاية الفكريّة من الخرافة.
٢ ـ الحماية الاجتماعيّة من التأثير بسلوكه.
__________________
(١) انظر تقريب القرآن إلى الأذهان : ج ١٣ ، ص ٦٩ ، تفسير سورة الرعد.
(٢) تقريب القرآن إلى الأذهان : ج ١٤ ، ص ١٣ ، تفسير سورة الحجر.
(٣) التوبة : ٢٨.