وفي سورة العلق ردّ مزاعم من نسب جمع القرآن إلى الأوّل والثالث بما ينفي الشكّ ويزيل الإبهام بعد تصريح القرآن بأنّ الذي جمعه ورتّبه هو رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (١).
عاشرا : وبعد ذلك كلّه فإنّ من سمات هذا التفسير الضخم هو التواضع والإقرار بالعجز أمام كتاب الله سبحانه ، ابتداء من عنوانه إلى أخر ما ذكر مصنّفه الكبير (قدس سرّه) في هذا المجال.
فعنوانه تقريب القرآن إلى الأذهان وليس تفسيره ، وهو دالّ على إعظام وإجلال وإكبار للقرآن وتنزيه له من أن تناله عقول البشر ؛ ولذا هم بحاجة إلى تقريب لما في التقريب من اعتراف بالقصور عن درك معانيه.
وقد تكرّر من السيّد المؤلّف نفسه (قدس سرّه) في أكثر من مرّة بأنّ ما يذكره من مضامين مجرّد معان محتملة وليست بتفسير (٢) ، وهذا منطق من التزم الحقيقة العارف بقدرة الإنسان وحدوده ومداه ، والعارف بكلام الله سبحانه اللامحدود في مضامينه ومعانيه الذي يستحيل أن يحيط به المحدود ، وفي مقدّمة مصنّفه الشريف هذا قال (قدس سرّه) في توجيه ما ورد في بعض الأخبار : من أنّ القرآن الكريم له ظاهر وباطن ، ولا يعلم تفسيره ولا ظاهره ولا باطنه ولا تأويله إلّا الله سبحانه ... إنّ فهم كلّ ظواهر الأشياء وبواطنها كذلك ، فإنّ البشر لا يعلم إلّا بعض السطحيّات ، مثلا ما هي حقيقة اللحم والدم؟ وما هي حقيقة الماء والكهرباء؟ وإلى غير ذلك ، فإذا رأى الإنسان سيّارة لا يعلم ما هي؟ فإنّه لا يعلم هل هي حديد أو نحاس (ظاهرها) ، ولا يعلم ما ذا في ماكنتها (باطنها) ، ولا يعلم ما نفعها (تفسيرها) ، ولا يعلم إلى أيّ شيء يكون أوّلها (تأويلها) ، وكذلك القرآن لا يعرف المراد الكامل من
__________________
(١) تقريب القرآن إلى الأذهان : ج ٣٠ ، ص ١٨٧ ـ ١٨٨ ، تفسير سورة العلق.
(٢) تقريب القرآن إلى الأذهان : ج ٣ ، ص ٤٩ ، تفسير سورة آل عمران ، حيث قال في معنى (آلم) : «تقدّم ما يحتمل أن يكون تفسيرا له».