إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (٢٥)
(لَكُمْ) فليفعلوا بهم ما يرجون أن يفعل بهم ربّهم مع كثرة خطاياهم (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فتأدبوا بأدب الله واغفروا وارحموا ، نزلت في (١) أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين حلف أن لا ينفق على مسطح ابن خالته لخوضه في عائشة رضي الله عنها ، وكان مسكينا بدريا مهاجرا ، ولما قراها النبيّ صلىاللهعليهوسلم على أبي بكر قال : بلى أحبّ أن يغفر الله لي وردّ إلى مسطح نفقته.
٢٣ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) العفائف (الْغافِلاتِ) السليمات الصدور النقيات القلوب اللاتي ليس فيهنّ دهاء ولا مكر لأنهن لم يجربن الأمور (الْمُؤْمِناتِ) بما يجب الإيمان به ، عن ابن عباس رضي الله عنهما هنّ أزواجه عليه الصلاة والسلام ، وقيل هنّ جميع المؤمنات إذ العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ، وقيل أريدت عائشة رضي الله عنها وحدها ، وإنما جمع لأنّ من قذف واحدة من نساء النبيّ عليه الصلاة والسلام فكأنه قذفهنّ (لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) جعل القذفة ملعونين في الدارين وتوعّدهم بالعذاب العظيم في الآخرة إن لم يتوبوا.
٢٤ ـ والعامل في (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ) يعذبون وبالياء حمزة وعليّ (أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي بما أفكوا أو بهتوا.
٢٥ ـ والعامل في (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَ) بالنصب صفة للدين وهو الجزاء أي يوفيهم جزاءهم (٢) الحقّ الثابت الذي هم أهله ، وقرأ مجاهد بالرفع صفة لله كقراءة أبيّ يوفيهم الله الحقّ دينهم ، وعلى قراءة النصب يجوز أن يكون الحقّ وصفا لله بأن ينتصب على المدح (وَيَعْلَمُونَ) عند ذلك (أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) لارتفاع الشكوك وحصول العلم الضروري ، ولم يغلظ الله تعالى في القرآن في شيء من المعاصي تغليظه في إفك عائشة رضي الله عنها فأوجز في ذلك وأشبع وفصّل وأجمل وأكّد وكرّر وما ذاك إلّا لأمر ، وعن ابن عباس رضي الله عنه : من أذنب ذنبا ثم تاب منه قبلت توبته إلّا من خاض في أمر عائشة ، وهذا منه تعظيم ومبالغة في أمر الإفك ، ولقد برأ الله تعالى أربعة بأربعة : برأ يوسف عليهالسلام بشاهد من أهلها ، وموسى عليهالسلام
__________________
(١) زاد في (ز) شأن.
(٢) في (ز) وهو الجزاء معنى الحق.