(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ (٣٣) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) (٣٤)
مفسرة ، كقوله : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) (١) يعني أي امشوا (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) مؤمنين أو منقادين ، وكتب الأنبياء مبنية على الإيجاز والاختصار.
٣٢ ـ (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) أشيروا عليّ في الأمر الذي نزل بي ، والفتوى الجواب في الحادثة اشتقّت على طريق الاستعارة من الفتاء في السنّ ، والمراد هنا بالفتوى الإشارة عليها بما عندهم من الرأي ، وقصدها بالرجوع إلى الاستشار تطييب نفوسهم (٢) ليمالئوها ويقوموا معها (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً) فاصلة أو ممضية حكما (حَتَّى تَشْهَدُونِ) بكسر النون ، والفتح لحن لأنّ النون إنما تفتح في موضع الرفع ، وهذا (٣) موضع النصب ، وأصله تشهدونني ، فحذفت النون الأولى للنصب ، والياء لدلالة الكسرة عليها ، وبالياء في الوصل والوقف يعقوب ، أي تحضروني وتشيروني وتشهدوا أنه صواب ، أي لا أبتّ أمرا (٤) إلا بمحضركم ، وقيل كان أهل مشورتها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا كلّ واحد على عشرة آلاف.
٣٣ ـ (قالُوا) مجيبين لها (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) أرادوا بالقوة قوة الأجساد والآلات ، وبالبأس النجدة والبلاء في الحرب (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) أي هو (٥) موكول إليك ونحن مطيعون لك فمرينا بأمرك نطعك ولا نخالفك ، كأنهم أشاروا عليها بالقتال ، أو أرادوا نحن من أبناء الحرب لا من أبناء الرأي والمشورة وأنت ذات الرأي والتدبير ، فانظري ما ذا ترين نتّبع رأيك. فلما أحست منهم الميل إلى المحاربة مالت إلى المصالحة ورتّبت الجواب ، فزيفت أولا ما ذكروه وأرتهم الخطأ فيه ، حيث :
٣٤ ـ (قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً) عنوة وقهرا (أَفْسَدُوها) خرّبوها (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) أذلوا أعزتها وأهانوا أشرافها وقتلوا وأسروا ، فذكرت لهم سوء عاقبة الحرب ، ثم قالت : (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) أرادت وهذه عادتهم المستمرة التي
__________________
(١) ص ، ٣٨ / ٦.
(٢) في (ظ) استشارتهم تطييب نفوسهم ، وفي (ز) استشارتهم تطييب أنفسهم.
(٣) زاد في (ز) في.
(٤) في (ز) الأمر.
(٥) ليس في (ز) هو.