(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٦٠)
أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجب الجنة) (١) (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) وبالياء يعقوب ، وتقديره فإياي فاعبدوا فاعبدوني ، وجيء بالفاء في فاعبدون لأنه جواب شرط محذوف لأنّ المعنى إنّ أرضي واسعة فإن لم تخلصوا العبادة لي في أرض فأخلصوها في غيرها ، ثم حذف الشرط وعوّض عن حذفه تقديم المفعول مع إفادة تقديمه معنى الاختصاص والإخلاص. ثم شجّع المهاجر بقوله :
٥٧ ـ (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) أي واجدة مرارته وكربه كما يجد الذائق طعم المذوق لأنها إذا تيقنت بالموت سهل عليها مفارقة وطنها (ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) بعد الموت للثواب والعقاب ، يرجعون يحيى ، ترجعون يعقوب.
٥٨ ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) لننزّلنّهم من الجنة علاليّ ، لنثوينّهم كوفي غير عاصم من الثواء وهو النزول للإقامة ، وثوي غير متعد فإذا تعدى بزيادة الهمزة لم يجاوز مفعولا واحدا ، والوجه في تعديته إلى ضمير المؤمنين وإلى الغرف ، أما إجراؤه مجرى لننزلنهم أو لنؤينهم ، أو حذف الجار وإيصال الفعل ، أو تشبيه الظرف المؤقت بالمبهم (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) ويوقف على العاملين على أن :
٥٩ ـ (الَّذِينَ صَبَرُوا) خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين صبروا على مفارقة الأوطان ، وعلى أذى المشركين ، وعلى المحن والمصائب ، وعلى الطاعات وعن المعاصي ، والوصل أجود ليكون الذين نعتا للعاملين (٢) (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) ولم يتوكلوا في جميع ذلك إلّا على الله.
ولما أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أسلم من مكة بالهجرة خافوا الفقر والضيعة فنزلت :
٦٠ ـ (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ) أي وكم من دابة ، وكائن بالمد والهمز مكي ، والدابة كلّ نفس دبّت على وجه الأرض عقلت أم لم تعقل (لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) لا تطيق أن
__________________
(١) قال ابن حجر : أخرجه الثعلبي من رواته عباد بن منصور الناجي عن الحسن مرسلا.
(٢) في (ز) العالمين.