إن (طولبوا) (١) باستدامة الستر وطىّ السّر تخارسوا عن النطق ، وإن أمروا بالإظهار والنشر أطلقوا بيان الحق ، ونطقوا عن تعريفات الغيبة ، فأمّا الذين أيّدوا بأنوار البصائر فمستضيئون بشعاع شموس الفهم ، وأمّا الذين ألبسوا غطاء الريب ، وحرموا لطائف التحقيق ، فتنقسم بهم الأحوال وتترجّم بهم الظنون ، ويطيحون فى أودية الرّيب والتلبيس ، فلا يزدادون إلا جهلا على جهل ، ونفورا على شك.
قوله جل ذكره : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ).
ومن وجد علمه من الله فيكون إيمانهم بلا احتمال جولان خواطر التجويز بل عن صريحات الظهور ، وصافيات اليقين. وأمّا أصحاب العقول الصاحية ففى صحبة التذكر ، لظهور البراهين و (....) (٢) أحكام التحصيل.
قوله جل ذكره : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨))
ما ازدادوا قربا إلا ازدادوا أدبا ، واللياذ إلى التباعد أقوى أسباب رعاية الأدب (٣).
ويقال حين صدقوا فى حسن الاستغاثة أمدّوا بأنوار الكفاية.
قوله جل ذكره : (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٩))
اليوم جمع الأحباب على بساط الاقتراب ، وغدا جمع الكافة لمحل الثواب والعقاب ،
__________________
(١) فى ص (طالبوا) والأوفق أن تبنى للمجهول مثل (أمروا) التي بعدها ، لأن فاعليتهم حينئذ مفقودة.
(٢) مشتبهة.
(٣) ربما يقصد القشيري من هذه العبارة أنهم أبدا طامعون فى الهداية محتاجون ـ لا لأعمالهم ـ بل لفضل الله ، ومهما أسبغ عليهم يشعرون بأنهم ما زالوا بعيدين عن التمام ، وعلى هذا التفسير تنسجم هذه العبارة مع سابقتها «ما ازدادوا قربا إلا ازدادوا أدبا».