من تشاء بيمن إقبالك ، وتذل من تشاء بوحشة إعراضك. وتعزّ من تشاء بأن تؤنسه بك ، وتذل من تشاء بأن توحشه عنك. وتعز من تشاء بأن تشغله بك ، وتذل من تشاء بأن تشغله عنك. وتعز من تشاء بسقوط أحكام نفسه ، وتذل من تشاء بغلبة غاغة نفسه. وتعز من تشاء بطوالع أنسه وتذل من تشاء بطوارق (١) نفسه. وتعز من تشاء ببسطه بك ، وتذل من تشاء بقبضه عنك.
وتؤتى الملك من تشاء بشد نطاق خدمتك ، وتنزع الملك ممن تشاء بنفيه عن بساط عبادتك (٢). تؤتى الملك من تشاء بإفراد سرّه لك وتنزع الملك ممن تشاء بأن تربط قلبه بمخلوق ، وتعز من تشاء بإقامته بالإرادة ، وتذل من تشاء بردّه إلى ما عليه أهل العادة.
(بِيَدِكَ الْخَيْرُ).
ولم يذكر الشر حفظا لآداب الخطاب ، وتفاؤلا بذكر الجميل ، وتطيرا من ذكر السوء.
(إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
من الحجب والجذب ، (والنصرة) (٣) والخذلان ، والأخذ والرد ، والفرق والجمع ، والقبض والبسط.
قوله جل ذكره : (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢٧))
__________________
(١) الطوارق فى اللغة ما يطرق بالليل ، وروى عن النبي (ص) أنه كان يدعو : «وأعوذ بك من شر طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير».
وعن بعض المشايخ : يطرق سمعى علم من علوم أهل الحقائق فلا أدعه أن يدخل قلبى إلا بعد أن أعرضه على الكتاب والسّنة. (اللمع للطوسى ص ٤٢٢).
(٢) وردت (عبادك) والأصوب أن يقال (عبادتك) لأن العبودية لا تنتفى عن مخلوق ، أما العبادة فهى حالة مخصوصة يعان عليها العبد أو لا يعان ، فالعبد إما فى العبادة أو فى العادة :
(٣) أضفنا هذه الكلمة من عندنا حتى يتم الانسجام الداخلى للأسلوب ويكون المعنى أوضح ، ونحن فى هذه الإضافة ـ كدأبنا دائما ـ متمثلين النهج الذي يسلكه القشيري فى مثل هذا المواضع.