وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩))
لا يعزب معلوم عن علمه ، فلا تحتشم من نازلة بك تسوءك ، فعن قريب سيأتيك الغوث والإجابة ، وعن قريب سيزول البلاء والمحنة ، ويعجّل المدد والكفاية.
قوله جل ذكره : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً)
ودّ أهل الطاعات أن لو استكثروا منها ، وودّ أهل المخالفات أن لو كبحوا لجامهم عن الركض فى ميادينهم ، قال قائلهم :
ولو اننى أعطيت من دهرى المني |
|
وما كلّ من يعطى المنى بمسدّد |
لقلت لأيام مضين : ألا ارجعي |
|
وقلت لأيام أتين ألا ابعدي |
قوله جل ذكره : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ).
الإشارة من قوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) للعارفين ، ومن قوله (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) للمستأنفين ، فهؤلاء أصحاب العنف والعنوة ، وهؤلاء أصحاب التخفيف والسهولة.
ويقال لمّا قال : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) اقتضى أسماع هذا الخطاب تحويلهم (١) فقال مقرونا به (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) لتحقيق تأميلهم ، وكذلك سنّته يطمعهم (٢) فى عين ما يروعهم.
ويقال أفناهم بقوله (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) ثم أحياهم وأبقاهم بقوله (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)
__________________
(١) ربما يقصد القشيري تحويلهم من الخوف إلى الرجاء ، فبعد أن خوفهم نفسه أطمعهم فى رافته.
(٢) وردت (يطعمهم) وواضح أنها خطا فى النسخ فأصلحناه بما يلائم السياق.