عن آفة لأنه قال يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ، بيّن أنه يجوز أن يكون عبد له فنون كثيرة ثم يحبّ الله ويحبّه الله.
ويقال قال أولا : (يُحْبِبْكُمُ اللهُ) ثم قال : (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) والواو تقتضى الترتيب ليعلم أنّ المحبة سابقة على الغفران ؛ أولا يحبهم ويحبونه (وبعده) يغفر لهم ويستغفرونه ، فالمحبة توجب الغفران لأن العفو يوجب المحبة.
والمحبة تشير إلى صفاء الأحوال ومنه حبب الأسنان (١) وهو صفاؤها.
والمحبة توجب الاعتكاف بحضرة المحبوب فى السر.
ويقال أحب البعير إذا استناخ فلا يبرح بالضرب.
والحبّ حرفان حاء وباء ، والإشارة من الحاء إلى الروح ومن الباء إلى البدن ، فالمحبّ لا يدّخر عن محبوبه لا قلبه ولا بدنه.
قوله جل ذكره : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٣٢))
أمرهم بالطاعة ثم قال : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي قصّروا فى الطاعة بأن خالفوا ، ثم قال : (فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) لم يقل العاصين بل قال الكافرين ، ودليل الخطاب أنه يحب المؤمنين وإن كانوا عصاة (٢)
قوله جل ذكره : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤))
اتفق آدم وذريته فى الطينة ، وإنما الخصوصية بالاصطفاء الذي هو من قبله ، لا بالنّسب ولا بالسبب.
__________________
(١) وردت (الإنسان) وهى خطأ من الناسخ (أنظر الرسالة ص ١٥٨).
(٢) فالمؤمن العاصي منزلة بين المنزلتين : الإيمان والكفر ـ فى نظر القشيري المتكلم.