قوله جل ذكره : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦))
المحرّر الذي ليس فى رقّ شىء من المخلوقات ، حرّره الحق سبحانه فى سابق حكمه عن رق الاشتغال بجميع الوجوه والأحوال. فلمّا نذرت أمّ مريم ذلك ، ووضعتها أنثى خجلت ، فلمّا رأتها قالت (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) وهى لا تصلح أن تكون محررا فقال تعالى : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) ولعمرى ليس الذكر كالأنثى في الظاهر ، ولكن إذا تقبّلها الحقّ ـ سبحانه وتعالى ـ طلع عنها كل أعجوبة.
ولما قالت (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) قالت (فَتَقَبَّلْ مِنِّي) فاستجاب ، وظهرت آثار القبول عليها وعلى ابنها ، ونجا بحديثها عالم وهلك بسببها عالم ، ووقعت الفتنة لأجلهما فى عالم.
قالت : (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) استجارت بالله من أن يكون للشيطان فى حديثها شىء بما هو الأسهل ، لتمام ما هم به من أحكام القلوب.
قوله جل ذكره : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا)
حيث بلّغّها فوق ما تمنّت أمها ، ويقال تقبّلها بقبول حس حتى أفردها لطاعته ، وتولّاها بما تولّى به أولياءه ، حتى أفضى جميع من فى عصرها العجب من حسن توليه أمرها ، وإن كانت بنتا.