قوله جل ذكره : (مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ).
بركاته اتصال الألطاف والكشوفات ، فمن قصده بهمته ، ونزل عليه بقصده هداه إلى طريق رشده.
قوله جل ذكره : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ)
ولكن لا تدرك تلك الآيات بأبصار الرءوس ولكن ببصائر القلوب ، ومقام إبراهيم ـ فى الظاهر ـ ما تأثر بقدمه ، وفى الإشارة : ما وقف الخليل عليهالسلام بهممه.
ويقال إن شرف مقام إبراهيم لأنه أثر الخليل ، ولأثر الخليل خطر عظيم.
قوله جل ذكره : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً).
يقال من دخل مقام إبراهيم كان آمنا ، ومقام إبراهيم التسليم ، ومن كان مسلما أموره إلى الله لم يبق له اختيار ، وكان آمنا ؛ فالأمن ضده الخوف ، والخوف إنما يكون على ألا يحصل مرادك على ما تريد ، فإذا لم تكن للعبد إرادة واختيار فأىّ مساغ للخوف فى وصفه؟
ويقال إن الكناية (١) بقوله (دخله) راجعة إلى البيت ، فمن دخل بيته ـ على الحقيقة ـ كان آمنا ، وذلك بأن يكون دخوله على وصف الأدب ، ولا محالة أدب دخول البيت تسليم الأمور إلى رب البيت ، فإنّ من لم يكن صاحب تسليم فهو معارض للتقدير. ودخول البيت إنما الأدب فيه أن يكون دخولا على التسليم دون المعارضة والنزاع فيؤول إلى المعنى المتقدم.
وإن جعلت الإشارة من البيت إلى القلب فمن دخل قلبه سلطان الحقيقة أمن من نوازع البشرية وهواجس غاغة النفس ، فإنّ من التجأ إلى ظل الملك لم يمتط إليه محذورا.
ويقال لا يكون دخول البيت ـ على الحقيقة ـ إلا بخروجك عنك ، فإذا خرجت عنك صحّ دخولك فى البيت ، وإذا خرجت عنك أمنت.
ويقال دخول بيته لا يصحّ مع تعريجك فى أوطانك ومعاهدك ، فإن الشخص الواحد
__________________
(١) يقصد بها ضمير الغائب فى (دخله).