ويقال قال سبحانه : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) وأضافه إلى نفسه ، وقال هاهنا : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) وفى هذا طرف من الإشارة إلى عين الجمع (١).
وسميت (بكة) لازدحام الناس ، فالكلّ يتناجزون على البدار إليه ، ويزدحمون فى الطواف حواليه ، ويبذلون المهج فى الطريق ليصلوا إليه.
والبيت لم يخاطب أحدا منذ بنى بمنية ، ولم يستقبل أحدا بحظوة ، ولا راسل أحدا بسطر فى رسالة ، فإذا كان البيت الذي خلقه من حجر ـ هذا وصفه فى التعزز (٢) فما ظنّك بمن البيت له. قال صلىاللهعليهوسلم مخبرا عنه سبحانه : «الكبرياء ردائى والعظمة إزارى».
ويقال إذا كان البيت المنسوب إليه لا تصل إليه من ناحية من نواحيه إلا بقطع المفاوز والمتاهات فكيف تطمع أن تصل إلى ربّ البيت بالهوينى دون تحمّل المشقات ومفارقة الراحات؟! ويقال لا تعلّق قلبك بأول بيت وضع لك ولكن أفرد سرّك لأول حبيب آثرك.
ويقال شتّان بين عبد اعتكف عند أول بيت وضع له وبين عبد لازم حضرة أول عزيز كان له.
ويقال ازدحام الفقراء بهممهم حول البيت ليس بأقل من ازدحام الطائفين بقدمهم ، فالأغنياء يزورون البيت ، ويطوفون بقدمهم ، والفقراء يبقون عنه فيطوفون حوله بهممهم.
ويقال الكعبة بيت الحق سبحانه فى الحجر ، والقلب بيت الحق سبحانه فى السّر ، قال قائلهم :
لست من جملة المحبين إن لم |
|
أجعل القلب بيته والمقاما |
وطوافى إجالة السّر فيه |
|
وهو ركنى إذا أردت استلاما |
فاللطائف تطوف بقلوب العارفين ، والحقائق تعتكف فى قلوب الموحّدين ، والكعبة مقصود العبد بالحج ، والقلب مقصود الحق بإفراده إياه بالتوحيد والوجد.
__________________
(١) ربما كان فى الأصل (...... الإشارة إلى عين الجمع ، «وأول بيت وضع للناس» إشارة إلى الفرق) في الأول نسب البيت إلى نفسه ، وفى الثاني أشار إلى وضعه للناس.
وسقطت هذه العبارة الأخيرة من الناسخ.
(٢) وردت (التعذر) والسياق يتطلب (التعزز).